خلصت قهوتك يا خال ! / م . عبدالكريم أبو زنيمه

خلصت قهوتك يا خال ! / م . عبدالكريم أبو زنيمه

قدم الى القرية ليعمل بها مُمرضاً في ذاك الزمن الذي كانت فيه الحُقن تُعقم بالغلي ويعاد إستعمالها مراتٍ ومرات وحين كانت حبوب الدواء لا تزالُ تُحفظ بالعلب المعدنية ، جلَبَ معه طاولة زهر ليقضي أوقات فراغه في القرية ، منذ وصولِهِ شَرَعَ بنسج علاقاته الإجتماعية بناءً على قابلية الشخص لتعلم لعبة الزهر “النرد” حتى أحاط نَفسه بمجموعة من هواة هذه اللعبة الجديدة على أهلِ القرية .
أصبحت صلاة العصر موعدهم للالتقاء في ظل غرفة العيادة ، تبدأ اللعبة وبحكم معرفته المسبقة لفنونها فإنه يفوز فيها ، وبمجرد تيقنه من الفوز فانه يبدأ بالتندر والاستهزاء بالخصم لإغاضته وجعله سخرية للمجموعة الجالسة التي تَرقُب تفاصيل ومجريات اللعبة ، مُشاركةً إياهُ السخرية من خَصمهِ المهزوم ، وما إن تنتهي اللعبة حتى يطبق طاولة الزهر بقوة ويصيحُ ساخراً : خلصت أهوتك “قهوتك” يا خال..أؤووووم “قوم” ، فتتعالى أصوات الضحكِ والإستهزاء من قبل الجالسين.
تمضي الأيام ويحترف أبو مجاهد اللعبة ، وفي أحد الايام وأثناء اللعب تيقن أبو مجاهد من فوزه المُحقق على المُمرض ، نهض ابو مجاهد ودس يده في جيبه وأخرج منها منديله – قبل بدء إستخدام المحارم الورقية – واضعاً إياهُ على أنفه وجلس من جديد..بدأ يتأفف كَمَن يشتمُ رائحةً كريهة ..اللعبة تستمر لكن نتيجتها واضحة..الكل يسخر من الممرض مُستغلين الفرصة لينتقموا منه شر إنتقام ..هذا يضع منديله على أنفه وذاك يضع طرف دشداشته..تعليقات حادة ومضحكة..الممرض يتصبب عرقاً..أبو مجاهد يطرق طاولة الزهر مع ضحكة مدوية ويصيح…أؤؤؤؤؤؤم ريحتك قتلتنا…الكل يضحك ويتأفف واضعين أيديهم على أنوفهم!
في اليومِ التالي تكرر فوز أبو مجاهد وغيره على الممرض الغريب مع نفس السخرية ، وكلما رأؤوه في مكانٍ ما ، يضعون أيديهم على أنوفهم ويقلدهم بهذه الحركة بعض الناس ، وفي إحدى الأُمسيات دخل على مجلسٍ لهم..وما أنّ دخل الباب حتى وضعوا أيديهم على أنوفهم وأبو مجاهد يقهقه بصوته الجهوري ويصيح ” إفتحوا الشبابيك..إفتحوا الشبابيك ” .. في اليوم التالي ذهبوا كعادتهم للاطمئنان على الممرض فلم يجدوه..إنتظروه يوم.. يومين..عشرة فلم يعد..ومنذ تلك الليلة لم يعد لقريتهم..
لماذا لا نضع ايدينا على أُنوفنا ونقول لاولئك الفشلة المُتلاعبين بأمن الوطن وإستقراره ، أولئك الذين يرِثونَ مناصبهم ، ويتعاملون مع الوطن كما لو كانَ ملكيةً خاصةً لَهُم !
باعونا أوهاماً من الاستثمارات والشراكات والمشاريع بمئات المليارات ! لم يسألهم أحد أين هي مشاريعكم التي لا زال الكثير منا يحتفظ بإحتفالية توقيعها ؟ تاجروا بكرامتنا وسيادتنا وسطوا على كل ما طالته أيديهم ، عقاراتهم وقصورهم وأملاكهم وشركاتهم وأرصدتهم هي من جوعنا وفقرنا وألمنا ، جعلوا من ديمقراطيتهم المزيفة دروعاً تحميهم من المُسائلة والمحاسبة.. فُصِلَت لهم قوانينٌ على مقاسهم لقص الألسُن التي تتجرأ وتهمس بأسمائهم .
لقد آن الاوان أنّ نَكُفَ عَن هجائهم .. لقد اشبعناهم ذماً وقدحاً ولا حياةَ لمن تُنادي … لقد أفرغ معظم الشعب الاردني قهره وحقده وسخطه عليهم عبر مواقع التواصل الإجتماعي والإعلام شعراً ونثراً وغناءاً…لكنهم ذهبوا بالابل !!! لا يوجد قانون حسب علمي يُجّرم من يضع منديله على أنفه ويصيح بأعلى صوته في الشارع العام صارخاً “طلععععععععععت ريحتكووووووا”
aboznemah@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى