طَبّعوا فطبّعنا ونُطَبَّعٌ فيُطبّعونْ

طَبّعوا فطبّعنا ونُطَبَّعٌ فيُطبّعونْ
د. جودت سرسك

ما أبهى اجتماعَ العربِ والمسلمينَ على قضيّتهم الرئيسةِ التي تحدّد سورةُ الإسراءِ نهايةَ المشهدِ الدراميّ فيها للمحتلّ،في القدس قد نطقَ الحجرْ وخفتتْ أصوات النشاز التي تعلو في الدراما العربية المعروضة على طبقٍ من تطبيع وخيانة، الدراما عملٌ يتراوح بين الرفعةِ والوضاعة فهو إناءٌ نضّاح بما فيه وبمن يموّله ويروّج له.
لقد عكّرتْ درامتُهم المسخةُ صفوَ رمضانِنا ولوّثت أمُّ هارونهم طعمَ سنبوستِنا ومذاقَ الخرّوب على فُرُشِنا الزاهية ورشفات الشاي المغمّس بالميراميّة الفلسطينية والأردنية وحبّات الهيل العربي من أرض السعوديّة حتى الرباط.
إنْ طبّعتْ أمُ هارون فقد طبّع من قبلِها المعلّمُ يعقوب حنّا الذي ألقاه نابليون جثّةً عَفنةً وسْطَ البحر ،ورفض مصافحة الخائن الذي طمِعَ بالسلام عليه والمبيت في حماه، فأجابه أنّ يدَ الامبراطور ليست للخونة.وطبّع الناصر يوسف الأيوبي فقتله هولاكو بعد هزيمة المغول في عين جالوت.ولقد طبّع ابن العلقمي وزير المستعصم بالله الخليفة العبّاسي ومدّ يدَ الخيانة للمغول ورسم له عملاً درامياً للدخول إلى بغداد. ويوم غزو الكعبةِ ،كان لأبي رُغال عملٌ دراميّ موّله وأنتجه ثلّةٌ من المارقين، ويكفيهم خزياً أنّ رجمَهُم سنّة، فقد رجمَ قبرَه ومسرَحه وشاشتَه رسولُ الله .
إنّ شجرَ الزيتون أكبرُ من خيانتهم وإنّ حجارة باب العامود في نواحي القدس الشريف التي يعبثُ بها الصغار ببراءةٍ وهم يتناقفون بعضَهم بعضاً ويقلّبونها على أكفّهم الطاهرة،أقدس من تطبيعهم ،وإنَّ قنبازَ أبو العبد وسرواله المنسوج بالتضحية ورائحة الأرض أشرفُ من كلِّ أعمالهم التي تجاوزتْ الأمةَ وقضيّتها .
كيف لمن رأى وطنه يُسرق من بين يديه أن يغفرَ خيانة من خانوا،إنّ الخيانة لا تُغفَرُ ولا تُنسى في زمن العلوّ الإسرائيلي ،لقد رأى الطفلُ الذي حملته أمّه رحمة صالح مقلوباً هرباً من مجزرة دير ياسين وقد أنهكتْ ركبتاها رأسَه ،لقد رأى خيانتكم في كلّ قطرة دمٍ نزلت من أنفه العروبيّ الياسمينيّ، رحمة صالح وصلتْ كرمَ زيتونٍ تحمل بقجةً على ظهرها وقد تركت وراءها بقرَها وغرف السمسم الذي حصدته سنواتِ عمرها وتركتْ عصافيرَها وحمامَها وبياراتِ برتقالها الذي كان يُطعمُ للدوابّ لغزارة انتاجه يوم لا نفط ولا غازَ مُسالْ , التفتتْ جدّتي رحمة صالح لولدها فوجَدتْه مُلطّخاً بدمِه ووجدتْ رجليه في حضنها، ورأسَه بين ساقيها مقلوبا ، سجّته على الأرض وخلعت وشاحها الأبيض فوق رأسه وراحتْ الملائكة تحدثها، هم بقيّة عيسى ونفحُ محمّد عليهما السلام ولا تخونهم السماء ،هم يحبون الله ويحبّهم اللهُ وأرضُه وشجرُه وسماؤه.
لن تغفر رحمة صالح التي تاهت عن زوجها وولدها وسمعتْ حسيس الملائكةِ في حجرها لن تغفرَ خيانتكم وسماحتكم مع أمّ هارون التي سرقتْ بيتها وأكلتْ برتقالها ولحمَ بقرِها الهولندي وسرقتْ قلادتها العُسْمَليّة التي قدمّها لها الفتى الشاب أبو شوقي مهراً لجدائلها وراحتيها التي تجتمع عليها العصافير لتغرّد أنغام عالروزانا عالروزانا كلّ الهنا فيها – وشْ عملتْ الروزانا الله يجازيها.
يارايحين عا حَلبْ حُبّي معاكم راحْ- يا محمّلين العِنبْ تحتِ العنبْ تفاحْ . كبُرتْ الحاجة أم شوقي واكتمل ثوبها المطرّز بالنكبات والهجرات والنزحات وكانت تقول لإخوتها لو شئتم لاتخذتم عليه أجراً، فلا تخذلوها بعد شيب انتظار فزعتكم وتجاعيد يديها المرسومة بآية وعدِ الآخرة، فتقولوا لها هذا فراقُ بيني وبين دمعاتك وجدائلك وترانيم بحر يافا وحيفا وصخرة معراج نبيّك.
يارايحين على حلب والقاهرة وتونس وطرابلس والرباط والخرطوم أبلغوا سلامنا وشوق ورودنا لأعناق الشرفاء منكم،أبلغوهم أنّ سراج بيت المقدس قد أُسرِج بزيت تضحياتكم ومحبتكم لمعراج نبيّكم محمّد، الذي رقى من صخرةٍ في فلسطين فوضع قدمه الشريفة على يدِ جبريلَ فصعد على دابّة البراق .البراقُ الذي يريدون رسم دراما أمِ هارون على أسواره وبأحبار يهوذا الأسخريوطي وابن السوداء بن سبأ، يريدون رسمَ لوحته على عباءة نبيّكم بقلم عبد الله بن أبيّ بن سلول ويكرّرون عبارته وقت إفطار المسلمين، الذين لا يجمعهم غير موائد الطعام وتهاني العيد ،فيمَ نقتلُ أنفسنا أيها الناس هاهنا وهاهنا وانسحب بثلث الجيش خذلانا وخيانة. لقد طبَّعوا فطبّعنا، لا يطبّعُ يا أمّ هارون إلّا كلّ منبتٍ عُتُلّ لا نسبَ له وإنْ انتسب لمن انتسب، ستلعنُه الأرضُ والسماء وأطفالُ المخيمات والمهجّرون واللاجئون والنازحون.
لا عروبةَ تعلو على عروبتِكم وغيرتِكم ، ولا يعكّر صفوَ شرفِكم وبسالتكم فقاعةُ صابونٍ أغرّ،يرتدي عباءتكم وثوبكم وعقالكم الشريف ويمشي بتصريح كيانهم المشؤوم ،فهو صغير،بصقَ عليه كلُّ أطفالِ الشوارعِ المرصوفة بالنبوءات والرسالات والحضارات، ونابَ عنْ عروبتِكم صفعاتُ الأحذية على وجهه.
كانت أم شوقي حين تخبزُ خبزها من قمح أرضها وتشعلُ نار صاجها تفوح منه رائحة الكرامة وتشتهي حضور ضيوفها لتقدّم لهم زيت نبيّها وزيتونه المغمّس بنقش الشهادة وطُهر مرج بن عامر وزرقة طبريا ،كانت تلوّح بمنديلها للطيور كي تهبط لتعلّق بساقها رسالة محبتكم وترسل حرارةَ أمومتِها وشوقَها لأولادها الذين أكرمتموهم بحبّات تمركم ورووا عطش هجرتهم بزمزمِكم.
لا يعكّر صفونا عملٌ بلا هويّة تفوح منه روائح الفيفيّات والماجنات والسيسيّات .لقد كنتُ شاهداً في ديار الحرمين وصحارى نجدٍ وعسير والطائفِ وحفر الباطنِ على طوابيركم وقرابينكم التي تتسابقون على ذبحها فدوةً لمسرى رسولكم ومعراجه، كانت النساءُ يتسابقنَ على بذلِ حُليّهنّ قربى لفلسطين وموطء قدم أبي القاسم رسول الله، وناقلِ خبَرِ وحْيِه.لنْ تلوّث امُّ هارون طهرَ عباءات نسائكم ولا غيرتهنّ ولن يلوّث أبو هارون طعم قهوتكم ونبلَ أشعاركم وصهيل خيلكم على أرض كلِّ مظلوم .

J_sh_s@hotmail.com

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى