سي . ڤي C.V / احمد المثاني

سي . ڤي C.V

لم يترك عبود المقرود أية صحيفة
تقع تحت يده ، ليقرأ إعلانات التوظيف ، المنشورة فيها ، و لم يترك بابا من مكاتب العمل ، إلا و طرقه بيديه الاثنتين .. و لكن للأسف ، كانت جميع المنافذ ، و الطرق المؤدية إلى لقمة عيشه مسدودة
.. فكلما استجمع قواه الفكرية و شجاعته الأدبية و كلما قرأ قبل المقابلة :
” و جعلنا من بين أيديهم سدا و من خلفهم سدا فأغشيناهم ، فهم لا يبصرون ” بناء على نصيحة شيخه ، إلا أنها .. مش ضابطة معه .. !!
و قد فكر ثم فكر ! و سمع أن الذي يبحث عن وظيفة ، لا بد أن يستحضر سيرة شخصية .. يسمونها سي .ڤي . و قد قال في نفسه هذه هينة !
استحضر الورقة البيضاء و حدق فيها و كأنما تتحداه .. كتب اسمه و تاريخ ما بشرت به الداية ، أم عرب !! كان يوم أسود ،،، على حد تعبيره ،، و لا أدل على ذلك من أن يوم مولده كان يوم وفاة .. عفوا ” نفوق ” حمارهم الوحيد !!
ثم اطرق قليلا و أخذ يستحضر خبراته العملية و الثقافية ..
فكتب : التحصيل العلمي ، خريج مدرسة بيضة و رغيف .. صف سادس .. معيد ، لسؤ علاقته ” بالخطيب” الذي تسلط عليه .. لأنه كان في بعض الأيام يبيع البيضة ، و يستحضر الرغيف فقط .
و تذكر حينها ، غضب المعلم و قرصة في الأذن ، لإنعاش ذاكرته ..
و حينما أراد أن يملأ الخبرات العملية ، كتب :
– حراثة ع البهيم ” أجلكم الله ” في مارس .. وطاة جدي
– حصيدة و دراس في الصيف
– حفار بيار مي .. و تذكر كيف ذات مرة ، انقطع الحبل به ، فلبث في غيابة الجب .. بضع ساعات ، و حياته كانت عند الحج سطوف ، الذي أخرجه من البئر ..
– ” دواج” على حمارة جده ، يبيع الأساور و الحناء و الخواتم الفالسو .. و عطور للصبايا ، زجاجتها بحجم زجاجة ، الكازوزة !! على قريته و القرى المجاورة .
و أراد أن يضيف حمود المقرود الى خبراته ، غسيل سجاد لبعض النسوان ، اللي والدات جديد .. لكنه هز راسه ، و عدل عن ذكر هذه الخبرة ، لأنها شغلة نسوان .. !!
جلس عبود متربعا على الأرض .. يتأمل الحاضرين مثله ، لطلب وظيفة مراسل أو حارس
و راعه العدد الكبير من الحضور .. فسحب علبة الدخان .. و لف سيجارة هيشي و سحب عليها و نفث بقوة .. فاحتج بعض المثقفين صحيا ، و قد أزعجتهم رائحة دخانه .. فرد عليهم و يتفتف عوالق التبغ في فمه ، و الله أنا زارع هالدخانات بايدي ..و بعد انتظار طويل و ممل في بلاط الحكومة .. سمع المنادي : يلله ، عبود
نهض مسرعا .. و رمى بما تبقى بين اصبعيه من السيجارة .. و دخل أمام لجنة ثلاثية الأبعاد 3D
و هاله منظرهم و قساوة نظراتهم .. اجلس . جلس على الارض .. فقال له احدهم .. مش شايف الكرسي .. خجل من نفسه ، وجلس .
كان السؤال الأول : معك توجيهي ..
الجواب : لا و الله ابني طلعنا له توجيهي بطلوع الروح .
انت .. أنت .. شو كنت تدرس ?
– و الله كنت ادرس قمح و شعير ، ع البيدر ، سيدي
أحد أعضاء اللجنه ، رفع راسه عن الفيس ،، و أخذ يضحك و يقول : يا هملالي !
– طيب بتعرف تستعمل آلة الطباعة ..
– شو الطباعة ، انا بعرف استعمل عود الحراث ..
يضحك الجميع .. ههههههههههههه
طيب كيف لو بدك توصل رسالة لصاحبها ?
– سيدي .. بصيح على صاحبها .. و بيجي ياخذها
أحد الأعضاء ، يسأل متخوثا .. هل تعرف ع الكمبيوتر .. معك دورة icdl ??

شعر عبود بالحرج ، و أن اللجنة تتخوث عليه ،،
و شعر أن الارض تضيق عليه . و أنفاسه .. تكاد تختنق .. فاستجمع قواه .. بكل الغضب و الاحباط الخزون في داخله . و قال موجها حديثه للجنة .
عفوا انا اللي بدي أسالكوا و الرزق على الله .
– انتو بتعرفوا ليش البلد مديونة بثلاثين مليار ?
– انتو بتعرفوا مين الحرامية اللي سرقونا بنهار مهو بليل .. السلام عليكم .. عندكو باب .. و عند الله مية باب .. !!
طأطأ أعضاء اللجنة رؤوسهم !!
و ماتت البسمة على شفاههم الغليظة !!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى