ذكريات جامعية

ذكريات جامعية
سالم فلاح المحادين

يحدُث بعد النُضج أن تحمل قلمكَ مُتجهًا بهِ نحو أيامٍ خلت كان فيها الوعيُ أدنى من نصٍ يحملُ بين طياتهِ الشوق والوفاء ؛ تستدعي اليوم رفاقَ الزمن الأجمل لتضعهم في صورةِ ما باتَ بإمكانك الآن رسمهُ من حُروفٍ تُعبِّرُ عن الفرحِ واللهفةِ بحبرٍ مُعَتقٍ كانت الأعوام قد منحتهُ وما زالت رونقًا يُدغدغُ اللحظات كفراشةٍ تتراقصُ عبرَ المعاني الفاتنة مُختالةً بغرور كركيٍ يَدَّعي الآن أن الوقتَ قد حان لمُخاطبةِ أفئدتهم النقية تحت ظلِّ غيمةٍ أياريةٍ تأذنُ للحظاتِ الغُروب بنسمةٍ تُنعشُ الفكرَ ليبوح ببعضِ الصمتِ عطرًا !

سيبتسم الرفاق أثناء القراءة فهل من يكتب الآن ( سالم ) ؟ وهو الذي درس المحاسبة واحترف الرقم ! سالم الذي لم نعهده إلا شغوفًا بالرياضة ولم تظهر عليه يومًا علامات الكتابة أو الثقافة ولكن : ربما لم يدر في خلدكم أيها الأحبة أنني كنتُ وقلمي نستمد منكم عبقًا آجلًا لتأتي لحظة الشيب هذه : تستفزني فأعزف لأيامِنا لحنَ الخلود وأعزف لعيون الجميلات التي عبرن البوابة الشمالية معي باستمرار دون ولو حتى ( صباح الخير ) أقول : سأعزف لهُنَ صباح الورد متأخرة جدًا أي بعد فوات الاوان وبعد ثلاثة أطفالٍ بالحدِّ الأدنى وبعد أن بتنَ يُخفينَ الشيب : أربعينياتٌ مثلي !

للزملاء والزميلات أقول : لا شيء بإمكانهِ بعثرةَ فؤادك كأن تُمسي غريبًا في مكانٍ كنت تظن أنك تملكهُ وهذه الميزة في مؤتة تحديدًا أشَدُّ وطأة فالكرك بطبعها تمنحُكَ دومًا تلك الطمأنينة التي تؤهلكَ بجدارةٍ لاعتقادٍ جازمٍ بأنك سيد محترم في أرض تتقن جدًا احتضان قاطنيها فكيف لك إذًا العودة غريبًا تعرف المكان بأدق تفاصيله وتفتقد الوجوه ؟ وكم تبًا للحظةٍ يُمكِّنكَ الموقعُ عبرها الغوص ولكن : أين الرفاق وأين كُل لحظةٍ بأدق التفاصيل من مأكلٍ لمشربٍ لمقعدٍ لأستاذٍ لعلامةٍ لعطر هذهِ أو تلك لتصوير محاضرةٍ لكافتيريا لبردٍ قارص ومطرٍ حنون ! كله قد مضى فلا تعودوا إلا ومعكم ( الشلة ) التي أين هي الآن ؟ مضت ومضينا وكأنّ الأمر شهادة جامعية فحسب : خطفناها لنواجه بها صِعاب العمر سعيًا للقمة عيشٍ ربما مُرة على أمل أن يتمكن أبناءنا من مُعاودة الكرّة فيها أو في أي جامعةٍ تمنح الشاب و الفتاة لحظات : من الجُنونِ أن تُنسَى !

مقالات ذات صلة

#محاسب درس ما لا يهوى
١٩٩٩ _ ٢٠٠٣

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى