حزب طبقي عنصري بثقل انتخابي في أمريكا

ما أبعاد تشكيل حزب طبقي عنصري بثقل انتخابي في أمريكا.. فهل يمهد هذا الطريق للنظام العالمي الجديد الذي لا يبدأ إلا بالتغيير في أمريكا وبإرادة من الدولة العالمية العميقة
فؤاد البطاينة

إن الحديث بموضوع إنشاء حزب جديد في الولايات المتحدة يقوم على افتراض من واقع تداعيات حقبة ترامب وما انتهت اليه ولايته. وهو اليوم محل توقعات للعديد من المراقبين. وقد ذكرت هذا الخيار في مقال سابق. ولكن ليس هناك ما يؤكده. بل هناك معطيات يمكن أن تدعو للإعتقاد به. سيما وأن سلوك ترامب خلال فترة رئاسته كان يتسم بقضم النظام الديمقراطي وبخلط الأوراق، والأهم أنه كان سلوكاً انعزاليا بالاتجاهين إزاء الحزبين القائمين، وتخريبياً على صعيد العالم. لكن السؤال هو هل سيكون هذا الحزب إن تشكل، إنتخابياً وذا ثقل يغير معادلة الحزبين القائمة ومنطويأ على عمق يصنع التغيير في الولايات المتحدة أم ديكورا فاشلا ,؟ وبهذا علينا إدراك أن ترامب لا يمثل حالة فردية بل ظاهرة تمثيلية لها ثقلها الشعبي والنخبوي، وقادرة على تأدية دور استراتيجي محلي لأصحابه وهو محاولة العودة لتجسيد تَفوق العرق الأبيض واحتكاره للوطنية وللسلطة والمال.
إلّا أن هناك ما يصنع فرقأ في الإستراتيجية المحلية عندما تكون مرعية بقوة أسمى خارجية هي الدولة العالمية العميقة وسنأتي اليها. وعلى أية حال فإن دور ترامب في كلا الحالتين هو مأسسة هذه الظاهرة. وفي نظام ديمقراطي فإن ذلك يستوجب حزباً جديداً إن تشكل بفكرته الظاهرة علينا بعنصريته وقاعدته الشعبية العريضة فمن المؤمل أن يأخذ زخمه الفكري من بعض منظري الحزب الجمهوري. ومن المرجح أن يُحدث جدلاً في الدولة الأمريكية العميقة. وإن حظي بنصيب من دعمها فلن يكون مجرد حزب ثالث ديكوري في الميزان الإنتخابي. وستكون هناك مناقلات في عضوية الحزبين القائمين لصالح الديمقراطي والحزب الجديد، قد ينهي القوة الانتخابية للحزب الجمهوري أو يؤدي لإعادة تشكيله. لكن المهم هنا أن قيام ونجاح الحزب الجديد سيبني القاعدة لفتح الباب أمام حراك سياسي ممأسس على أيدولوجية عرقية تؤدي بالنتيجة إلى اضطرابات سياسية واجتماعية عنيفة على مساحة الولايات المتحدة، هي ليست بأقل من حرب على الديمقراطية الأمريكية التي ستمتد عدواها لدول أوروبية
صحيح بأن نجاح أو فشل هذا الحزب في أن يصبح انتخابياً أو لا يصبح أمر حاصل في كلا حالتي تماسك أو انقسام الدولة الأمريكية العميقة، وبأن تماسكها على إفشاله يُفشله، ووجود طرف منها يبغيه دون الأخر سيؤدي لنجاحه. إلا أن هذا أو أية أحداث جذرية استراتيجية تمر عبر الدولة الأمريكية العميقة مرتبط في الواقع بإرادة ورؤية الدولة العالمية العميقة المتحكمة لحد بعيد بسلوك العالم السياسي بوسيلتي العملة والاقتصاد، وهذه الدولة العالمية تتخذ من الولايات المتحدة مركزاً لانطلاق عملياتها. لكنها لنا تعيش في عالم افتراضي لا نعرف عن حياتها الكثير. وحتى فكرة الأمم المتحدة التي تُشكل إطار النظام العالمي القائم هي داعمتها ومن تكفلت بإنشائها وانزوت. فالدولة العميقة الأمريكية تحالف يمكن اختراقه أو انقسامه. إلا أن العقل الصهيوني في هذا التحالف هو الأعمق تخطيطاً وهدفاً في انتمائه للدولة العميقة العالمية المتطلعة لفكرة توحيد عبودية العالم لها. ومن هنا نلاحظ أن الماسونية حزبها يتسم بالعالمية وبغموضه حتى لفرسانه.
نستطيع القول في المحصلة أن الدولة العالمية العميقة وليس الدولة الأمريكية العميقة، هي الأقدر على فعل التغيير في الولايات المتحدة وصاحبة قراره. وهي التي تحافظ من تحت الطاولة على أسباب قوة دولة الولايات المتحدة المرئية والعميقة في الظل وتدعم تنافسيتها وصمودها أمام المنافسة العالمية الراشدة. وهنا أقول بأن هذه الدولة العالمية العميقة هي دولة مفكرة، ولكن بعقل شيطاني معادي لإنسانية الإنسان، وبيدها أدوات التغيير، ويدها طويلة في أمريكا. وهي قادرة على شل اقتصاد حكومات العالم الغربي ومن يدور بفلكها بذات الوقت والوتيرة، وكذلك التأثير على باقي دول العالم بنسب متفاوتة. ولعل الصين وحدها عالم قائم بذاته ومع ذلك فلن تكون بمنأى عن التأثر وربما يكون إيجابياً.
وما أريد قوله في سياق هذا المقال بأن هذه الدولة العالمية العميقة تتطلع باستمرار إلى الانتقال من نظام دولي لأخر وصولا لأهدافها النهائية في نظامها العالمي، وأنها ما زالت متربعة على عرش العالم كقوة خفية. وأنها بصدد الإنتقال بنا لنظام دولي جديد، وأنها لا تبقى بالضرورة متمسكة أو أسيرة لسياساتها فكلها مرحلية وهذا ما ينطبق على المشروع الصهيوني مثلاً، فقد تعمل على تغير تفاصيله ومساقه ومساره في فلسطين والمنطقه.كما أن بروتوكولات حكماء صهيون فيها وسائل وأهداف، والوسائل متغيرة ومتطورة.
وبناء على ما تقدم، يُطرح السؤال كيف سيكون وضعنا نحن كعرب. وهنا علينا وضع بعض الحقائق نصب أعيننا، فمن السذاجة أن نتطلع ونبني طموحاتنا على سلوك أو شعارات أية قيادة أمريكية مهما بدت إيجابية. فمهما تنوعت فكلها تبني شرعيتها الحقيقية وطموحات أشخاصها على التقرب من العنصر اليهودي ومُصاهرته والإلتزام بالصهيونية وتقمصها كعقيدة سياسية. وأن نتأكد أننا في سيرورة باتجاه نظام عالمي جديد وأن شكله هو الذي يَطرح أمامنا فرصة للتغيير، وأن تغيير النظام العالمي الحالي يبدأ أو ينطلق من الولايات المتحدة كأداة للدولة العالمية العميقة صاحبة القرار والفعل المؤثر. وأنه نظام سينطوي على تغييرات في أسس السياسة الدولية وتحالفاتها قوامه المال والإقتصاد، وأن الديمقراطية كنظام سياسي لصالح الشعوب سيعتريه التغيير.وهو في جميع الأحوال بالنسبة للدولة العميقة العالمية ليس خياراً دائماً بقدر ما هو مرحلياً ً
التغيير الإستراتيجي في المنطقة العربية قد يبدأ مع البوادر العملية لتغيير النظام الدولي والذي لا يكون ولا تبدأ بالضرورة إلّا من أرض الولايات المتحدة. وهذا التغيير في الولايات المتحدة بالذات سيوفر شرطاً مهماً من شروط التغيير في بلادنا. إنه التغيير الذي يزعزع منظومة إرهاب الأنظمة العربية المستقوية بأعداء الأمة على شعوبها. ومن الطبيعي أن التغيير في الولايات المتحدة سيمر في مرحلة انتقالية تدخل فيها في مخاض محلي مُضطرب لسنين كي تتبلور هذه القوة على النحو المطلوب لصنع نظام عالمي جديد في الأساس. وهذه المرحلة الإنتقالية وخاصة عندما تتعمق ستكون فيها علاقة أمريكا وتفاعلها السياسي الدولي مع حلفائها مُغيبا. وستكون بالتالي هناك فرصة للشعوب العربية المقموعة، وكذلك مرحلة مظلمة لأنظمتها تبحث فيها عن شمعة. فسقوط النظام الأمريكي يعني سقوط المستعمِر لبلادنا من ذاته. على أن يكون معلوماً في كل الحالات بأنه لا يمكن للشعب العربي أن يحقق لنفسه ولوطنه الحرية والتحرير والنهوض إلا بقوته وفعله الذاتيين.
كاتب وباحث عربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى