حالة البلاد….الزوج الاردني

#حالة_البلاد…. #الزوج_الاردني

#بسام_الياسين

إستيقظ مُبكراً ليتحاشى ازمة المواصلات،في مطلع الاسبوع،حيث يتدافع الجميع لحجز مقاعدهم،في حافلة هرمة،تحمل ضعف حمولتها هذا اليوم.لذلك أُطلق عليها ـ سفينة نوح ـ .فمن يتأخرعنها،يغرق في الزحام،و لن يخرج الا بمعجزة.دعك وجهه بالماء والصابون على عجل،ليتحرر من عوالق النوم،العالقة بجفنيه،من فرط سهر وتدخين ومتابعة اخبار تسم البدن .حدق في المرآة المعلقة فوق المغسلة.استغرب صمودها الاسطوري،وهي بالاصل،هدية صديق ساخر ليلة عرسه،راهنه على تغير ملامحه،بعد زواجه.اخذ يجفف الماء، ويزيل الصابون المتراكم على حواف اذنيه.

على غير عادته،ـ توقف متأملاً تضاريسه.ذهل مما راى.حقاً لقد تغير كثيراً .كانت الايام لا تعنيه،والعُمر مجرد رزنامة تتساقط اوراقها،لا يشده منها سوى ما هو مطبوع على قفاها،يحتفظ ما يروق له او يلقي به في سلة الزبالة. استغرب كيف لا يعير نفسه ادنى اهتمام.أهي تركيبته النفسية ام نشأته البيئية،حيث ديدنه الاسراع في كل شيء.مهارة طفولية، ازدادت مع عمله الروتيني في وزارة خدمية.

لاحظ تجاعيداً وخطوطاً عميقة رسمها الزمن، في غفلة عنه،وزحفاً حثيثاً،لصلعته من الجبهة الامامية.ما زاد الامر سوءاً،دوائر زرقاء تحيط بعينيه الذابلتين،وهما تتحركان بقلق…. جفل من منظره.فاحس بزلزال يهز كيانه، بلغت شدته اكثر من سبع درجات على مقياس ريختر النفسي .هو شخص غيره.حاول التمرد على خرابه، بإبتسامة للتخفيف من وطئته،لكن دمعة فرت من عينه،وتدحرجت على طرف شاربه،المهمل كحديقة خلفية،لا تنبت فيها سوى الاشواك المؤذية.

همه اليوم “يوم الحشر”، مغادرة البيت قبل صرخة احد اطفاله الغارقين في النوم،والوصول للوزارة قبل اشتداد الازمة مع وصول حافلات المحافظات،المحملة بخلق الله من كل فج عميق.مشكلته الاخرى،ان بيته يقع في طرف العاصمة.منطقة شعبية نائية،جميع قاطنيها ذوي دخل محدود،يعتمدون النقل العام بحافلاته البطيئة الرديئة.لهذا عليه إتقان فن ” المدافشة”،و احياناً ذرابة الملاسنة،والا بقي مكانه.

افكار سوداء راحت تنهش دماغه.ما ازعجه احساس طغى عليه،انه ليس الا دابه تدب على قدمين.انسان بلا معنى،كم مهمل،نسخة بشرية رديئة.هَمَّ بمغادرة المنزل،هرباً من نفسه،لكنه قرر ان يعرج على غرفة الاطفال،لعلها تمده بجرعة معنوية،تخفف ضغطه النفسي،او يلحس ” لحسة سعادة” من اغلى احبائه.انحنى لتقبّيل اصغرهم الاحب الى قلبه،بحكم سنه،وقبل ان يلمسه انفجر الطفل باكياً.

هُرعت الزوجة من الغرفة المجاورة، وكأنها مأمور مقسم في طواريء مستشفى مايو كلينك الامريكي،وبيدها رضاعة حليب.خضتها بعصبية، والقمتها فم الصغير لتُسكت جوعه و صراخه،ثم استدارت نحوه، نصف استدارة،حيث يقف كخازوق في غير مكانه، دون ان تنظر اليه لتخبره :ـ ان علبة الحليب نفذت،و كيس الحفاظات لم يبق فيه الا قطعة واحدة،وطلبت منه احضارهما فوراً،فالطفل لا يحتمل الانتظار. مدَّ يده في جيبه متفقداً،لكنه لم يجد فيها سوى ” الفراطة ” اجرة الحافلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى