تصويب بوصلة الاردنيين وخياراتهم

تصويب #بوصلة #الاردنيين وخياراتهم
(محاولة لإعادة تحرير مقال الصديق الاستاذ حسين الرواشدة “الذي نعرفه”، والمنشور في جريدة الدستور اليوم السبت 6/1/2023م).

تحرير: د. #خالد_حسنين

‏أنت أردني؟ من حقك إذاً أن تسال: هل يوجد دولة في محيطنا العربي والإقليمي، تسمح لأحد-مواطنا كان أم مقيما- أن يسيء لقيم الوطن وتاريخه، أو أن يشكك في مواقف الشعب وقيادته، أو أن يجرح رموزها ويفتري عليها؟ ولكن لعلك سمعت عن نخب سياسية راشدة تتبنى اليوم قضايا بلدها، وتستقوي به على أي أجندة خارجية، فتصبح قضيتها الأولى مواجهة الخطر الداهم من العدو التاريخي المتربص بها، وتحاول أن تدفع الدولة إلى ‏تبني المعركة الحالية والانصهار فيها بكل الأدوات الممكنة؟ وهل خطر في بالك أن تصبح متهما أو موسوما بالعار، إذا صمتّ عن الدفاع عن وطنك، وحذرت من الذين يتسابقون لإغراقه بالخوف، أو من الآخرين الذين يريدون أن يبعدوه عن المساهمة في إطفاء جذوة الحرب المستعرة؟

‏أكيد، تشعر بالفخر والاعتزاء حين تبحث عن “مساند” وطنية تقف مع الدولة لمواجهة الأخطار التي تستهدف زعزعة أمنها واستقرارها، وتختال فرحا حين تسمع أصواتهم تزلزل أركان العدو في كل المحافل، أو حين تتابع رحلاتهم المكوكية عبر دول العالم، وتسمع آراءهم وخطاباتهم‏، وتتعرف الخزانات والمشاعر الوطنية التي عبأتهم بالمعلومات الناجزة، وربما لا تتفاجأ (هل يمكن أن تتفاجأ حقا؟)، بتصريحاتهم عبر الشاشات الوطنية، والمنابر الدولية، وهم يلقون دروسهم ومواعظهم على دول العالم (الذي يسمى حرا) بمضامين القيم الخالدة لهذا الوطن، ويضعون تلك الدول أمام خيارين: إما أن يكونوا مع إنسانيتهم بوقف الحرب، أو عليهم أن ينتظروا “حفرة” أخلاقية أعمق من “حفرة “غزة.

مقالات ذات صلة

‏أنت اردني؟ لا أحتاج لتذكيرك بتاريخك الوطني المشرف، بالآباء والأجداد الذين بنوا البلد بدمائهم وتضحياتهم وعرقهم وتعبهم، فهم أوّل الثوار، وجيشك العربي الذي نذره المؤسسون للعرب جميعا، فكانت بطولاته وشهدائه في مختلف معارك الأمة، وبالنشامى الذين يحرسون أمنك ويحافظون على حياتك وكرامتك وقيمك العربية الأصيلة، وعلى رأسها الشجاعة والوفاء والإقدام… كل هذا تعرفه، ويجري في عروقك، أُذكرك، فقط، أن أمانة الوفاء للأردن، ولهؤلاء كلهم، تفرض عليك أن تفتح عينيك على ما يدور حولك، فوطنك اليوم في خطر حقيقي من عدو مجرم حاقد، أجندته واضحة باستهداف وجودك، لذا عليك أن تستيقظ من نعاس شعارات الأمان والركون إلى تعهدات أميركا والغرب، والتي يحاول البعض أن تبقى غارقا فيها، لكي يستفردوا بك، ويأخذوك إلى دروب مجهولة، جربنا بعضها فيما مضى، ونرى نسخها الأخرى، الآن، ماثلة أمامنا على هيئة وعود بضمان عدم التهجير، ولكنهم كاذبون، وسيغدرون بك كما فعلوا في المرات السابقة.

‏أنت أردني؟ اضبط ساعتك وبوصلتك وكل حركة فيك على عنوان واحد اسمه الحفاظ على “الأردن”، لا يوجد أي عنوان آخر يمكن أن تذهب إليه، أو أن يفتح أبوابه لاستقبالك، تحرر من كل الأساطير التي يروج لها الأعداء لحل قضايا الصراع باستمرار على حسابك، حين يقولون لك: “لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم”، قل لهم: هذا الوطن العزيز ليس مطية لأحد، ولا قاربا للعبور، ورجاله أهل ‏الخنادق والبنادق، لا أهل الفنادق والدعة، وذاكرتنا المتعبة من الخذلان ما زالت قادرة على أن تحفظ للرجال حقهم، وأن تصنع من اللحظات التاريخية بارقة أمل.

‏أنت أردني؟ وعربي ومسلم، أيضا، وإنسان، لكن لا يمكن أن تشعر بكرامتك إلا في دولة ووطن؛ دولة تحرص على أن تكون قوية، وترفض أن يستضعفها أي احد، لا بأس أن تنتقد أداء إداراتها، وتنصح المسؤولين فيها، وتكشف أخطاءهم، لكن إذا دقت الأزمة أجراسها، فلا يجوز أن تنهش جسدها، أو تنحاز لغير تاريخها المشرّف في الوقوف مع الحق العربي في فلسطين وغيرها، ‏أما الوطن فهو سر وجودك، ومصدر عزيمتك، ومثواك في الحياة والممات، لا شيء يستحق التضحية سوى الحفاظ على كرامة الوطن، ولا احد يعرف قيمة الوطن أكثر من الذين افتقدوه، وضربوا خيامهم في الغربة، فاحذر أن يُغرينك أحد، تحت أي عنوان، بالنكوص عن أداء الواجب، وليبق رأسك عاليا شامخا، فمن فقد شرفه لم يعد له حق في وطنه.

‏أنت أردني؟ دعهم يقولون عنك أي شيء؛ جريء حد التهور: لا بأس، متصدّر حين تراجع الآخرون: لا بأس أيضا، لقد قالوها سابقا، ولم يستدرجوك للعبة التخاذل والتخلي عن معارك الأمّة، وتحالفات الخضوع المهين التي خربت الأوطان، وباعت مستقبله بأبخس الأثمان، أُثبت على طريقك، وخلف قيادتك، ومع الأردنيين الذين ما باعوا، ولا اشتروا الأكاذيب، لتحافظ على الأردن الذي ما زال ‏صامدا أمام “جريمة العصر، وحرب الإبادة الجماعية”، الأردن الذي ما خان ولا هان، ولا تخاذل عن نصرة أخ مظلوم، أو شقيق منكوب، ولم ينتظر شكرا أو امتنانا من أحد، هذه هي بوصلة الأردنيين، وهذه خياراتهم أيضا.

(إضافة من المحرر)
أنت أردني؟ واجبك اليوم في هذه اللحظة التاريخية أن تقف في وجه مخطط التهجير، لأن إرادة المحتل إذا انتصرت (لا قدر الله) في هذه المعركة فأنت ستكون الأولوية الثانية بعد غزة، لذا فإن صمود المقاومة مصلحة وطنية عليا للأردن، وخط الدفاع الأول عن الأمة، ودعمها واجب الوقت، فإن كان الدعم المباشر متعذرا لقيود فرضتها الظروف علينا، فلا بد من البحث عن سبل الدعم غير المباشر، ولعل أقلّها وأيسرها في المدى المنظور تثبيت الفلسطينيين على أرضهم، ومدّهم بكل سبل العيش للحفاظ على صمودهم، فهذه معركة الأردن كما هي معركة فلسطين، والبوصلة الحقيقية هي ما كانت باتجاه العدو الغادر والطامع بالبلاد والعباد، وأي بوصلة تؤشر إلى غير ذلك فهي متهمة، أو جاهلة، أو محدودة النظر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى