أبشرك يا وصفي … / المحامي حاتم خليل الشوبكي

أبشرك يا وصفي …

في عام 1969 كان شهيد الوطن دولة وصفي التل عيناً في مجلس الأعيان ، و قد ألقى كلمة يناقش فيها الموازنة العامة و ذكر فيها :
” … من أوجه هذا الهدم وهذا النكران للجميل التشكيك بقيم هذا البلد وبمستقبله والإستهانة بقوانينه وأنظمته، و اعتبار ماله وموارده وتقاليده وأصوله ومصادر رزقه مالاً مباحاً كأنما تخص مال إنسان ميت لا عزوة له…
… آثار هذه المعالم المؤسفة وتفاصيلها يعرفها القاصي والداني، هذه المعرفة أنتجت لا أبالية عامة وميوعة في أجهزة الدولة و تصاعدت نتيجة لذلك كل عوامل الفساد والانحلال في كل مجال ، هذا التصاعد حتى في أيام السلام والدعة يكفي لتقويض مجهود أي دولة فما بالنا و نحن في معركة يفترض أن تتحول الحكومة عندنا إلى مستوى الأنبياء و الصحابة بسبب قداسة المصير و قداسة معركة المصير..
… على ماذا نصوّت؟ على سياسة الإبداع في تخريب هذا البلد والإبداع بالسير به نحو الهاوية والإبداع بالتشهير به وبأهله ومؤسساته أثناء التبجحات المعروفة لأركان الحكومة في حفلات السراب والطبيخ ، في وسعي أن أستطرد إلى ما لا نهاية في تعداد عشرات المآخذ والمثالب …
في وسعي تعداد انحرافات ورشوات تبلغ قيمتها مئات الألوف و ربما الملايين من الدنانير …
… كان هذا البلد مضرب المثل في حسن استخدامه لموارده المحدودة وفي نظافة أجهزته وحزم إدارته . الرشوة و الميوعة و (شلة الحكومة) جعلت منا موضع غمز ولمز لا يرضاها مخلص …
… البلد لا يستحق سوى الأجلاء الأعزاء رغم تآمر اللاأبالية والفساد على سمعته . لقد أوصلت هذه الحكومة الأمور في هذا البلد الطيب إلى درجة من الفوضى و الهوان و الفساد حداً لا يصح السكوت عليه كائنة ما كانت الظروف …
… الذين يعتقدون أن هذا البلد قد انتهى واهمون ، و الذين يعتقدون أن هذا البلد بلا عزوة واهمون كذلك، و الذين يتصرفون بما يخص هذا البلد كأنه (جورعة) مال داشر واهمون كذلك، و الذين يتصرفون كالفئران الخائفة على سفينة في بحر هائج سيغرقون هم كما تغرق الفئران وستبقى السفينة تمخر العباب إلى شاطئ السلامة …
… لا مكان للفساد ولا مكان للرشوة.. ولا مكان لتلون وجوه الميدان فقط للصابرين الصادقين ذوي الرأي الجريء الصريح …”
هذا الحديث صدر من عين في مجلس الأعيان الأردني و ليس من نائب معارضة أو بيان لحزب معارض … صدر من أحد أفراد مجلس الملك مجسداً لمعنى ( البطانة الصالحة ) التي تنصح و ترشد و تنتقد من باب الغيرة على الوطن و قائده .. و لا تعرف النفاق و الخوف و المداهنة .
هذا الحديث كان في عام 1969 وما أحوجنا ونحن في عام 2016 إلى هذا الحديث حيث أوصلتنا الحكومات الطازة إلى مليارات من الديون و ليس كما قال وصفي ..” في وسعي تعداد انحرافات ورشوات تبلغ قيمتها مئات الألوف وربما الملايين من الدنانير ” ، أبشرك يا وصفي … تجاوزت الحكومات مرحلة ( الميوعة ) إلى أقصى مراحل ( المياصة ) و أبدعت و تفننت و قحفت و وصلت إلى أعلى الدرجات من ( التطقييع ) للشعب و عدم الإكتراث بهمومه و متطلباته .
يقول الدولة وصفي التل واصفاً حال الحكومة ب ” شلة الحكومة ” …. أبشرك يا وصفي أصبح عندنا شلل و ليس شلة منها شلل الديجيتال و الشلل البهلوانية و الشلل الفالصو و شلل الخصخصة و شلل المصمصة و شلل التلزيم و شلل التطبيع ….
أبشرك يا وصفي … غيرنا المناهج و طورناها و شذبناها و حذفنا آيات و آحاديث نبوية … و فصلنا محمد و فاطمة فصل تعسفي و وظفنا منير و لميس ..
أبشرك يا وصفي … الفئران لم تغرق بل غدت جرذان سمان تلهط و لا تشبع … تنهب و لا تقنع .. تأخذ و لا تدفع … تمضي و لا تسمع …
أبشرك يا وصفي … الشعب مكيف و مبسوط و لا ينقصه إلا باص سريع و طبخة ملوخية ناشفة و تكاسي تعمل على الكهرباء و مهرجان هنا و كرنفال هناك …

حمى الله الأردن و رحم شهيد الوطن دولة وصفي التل و شهداء الجيش العربي و المخابرات .

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى