بناء الإنسان ( حصريا في رمضان ) / سهى عبد الهادي

بناء الإنسان ( حصريا في رمضان ) / سهى عبد الهادي

( كل عام وانتم بخير )

يعود رمضان محملا بالخير والغفران والبركات التي ننتظرها في كل عام على امل ان نكون الى الله اقرب ، ونحن احوج ما نكون لتجديد ما نريد الخروج به من رمضان داخل نفوسنا وفي سلوكياتنا ، لذلك سوف نتناول في سلسلة بناء الإنسان اليوم بعض ما تعودنا عليه من سلوكيات معروفة كالعادة للجميع لكنها تحتاج منا إلى إعادة بناء ومراجعة املا في تغييرها ، واقتبس هنا من اينشتاين بعض ما قاله عن سبل النجاح في التغيير وحل المشكلات بأنه من الجنون ان تفعل نفس السلوك مرة تلو الأخرى ثم تتوقع نتائج مختلفة !!

اتسآل هل اصبحت المبالغة في التعبير عن انفسنا سمة اساسية ام هي مجرد عارض قد نصحو منه في اي لحظة واذا كان الحال كذلك فمتى وكيف ؟

مقالات ذات صلة

اصبحنا نبالغ في كل شئ ….. في مشاعرنا ، في افراحنا ، في احزاننا ، وفي غضبنا وحتى في عباداتنا التي لم تنجو من المظاهر المستهلكة التي نردد بإستمرار معارضتنا لها وخجلنا منها ومع ذلك لا زلنا جميعا داخل منظومتها ، فطريق البدء في التغيير ليس سهلا ولا معبدا ولا مفروشا بالورود ، فالتغيير له رهبة خاصة تهابها النفس التي تعودت على القبول بما هو موجود لذا تحتاج الى ثورة تبدأ من داخلها ومن ثم الى جرأة للمبادرة في إرساء عادات جديدة تنقلها الى مستوى ومكان مختلف لم تألفه من قبل ، وذلك ما نهاب منه جميعا … لإننا وللأسف لا زلنا نختبئ داخل القطيع خوفا من أن نذبح اجتماعيا ، ومن منا يقوى على ذلك !!

بالنسبة لكثير من الناس رمضان هو شهر واحد فقط يمر خلال العام ، حكمته الظاهرة والبسيطة ودون الخوض في حكمه العميقه الاخرى هي الإحساس بالفقير الذي لا يمتلك قوت يومه اغلب ايام السنه وليس شهرا واحدا ، ويتضمن الشعور هنا البعد المعنوي ويعطيه اهمية بالغة لعلها ترقى او تفوق البعد المادي في مساعدة ذلك الفقير

نحن كرماء لكن الله وشهره الفضيل اكرم منا بآلآف المرات ، لذلك دعونا نسقط هذه الحجة الضعيفة لتبرير استنزافنا واسرافنا وبذخنا الذي لا طائل لجيوبنا المنهكة على تحمله ، وقيامنا بتحميل هذا الشهر الفضيل من ممارساتنا الخاطئة ما لم يأت به وما هو الا افتراء نتج عن فهمنا القاصر للمعنى الذي اراده الله

لنرى كيف وصلنا لما نحن فيه :

** ممارسات رمضانية بامتياز **

* مهرجان التسوق وتكديس المواد التموينية خوفا من المجاعة القادمة !!

* مهرجان السهرات وخيمات رمضان وجلسات الاراجيل لإن لهذا الشهر متعة خاصة للسهر والسمر !!

* كرنفال العزائم والولائم التي قد ينسى مقيموها حتى استحضار النية فيها ، على الأقل ليؤجروا عليها من باب صلة الرحم وتفطير صائم !!

كرنفال الطعام والموائد المليئة بتلك الأصناف المتعددة التي لم يحلم الفقير حتى بالنظر اليها ولو من بعيد ، والتي نقيمها على شرف الإحساس بهذا المسكين !!

*مهرجان وسباق المسلسلات وبرامج الترفيه التي تعتبر هذا الشهر افضل الأشهر لطرح انتاجها الجديد !! ولا عجب

* المؤسسات والدوائر الحكومية تعمل لفترة اقصر ومع ذلك يبدأ الموظفون بالتكاسل والاستعداد النفسي لإنهاء الدوام قبل ساعة على الأقل من الساعة المحددة والتي قد تم تقديمها اصلا !!

* الزهد والعلو عن فضائل هذا الشهر بما لا يتعدى مظاهره الخارجية لتكون اقرب الى العادة منها الى العبادة فنخرج منه دون ان ننال من صيامه الا الجوع والعطش !!

* انتشار المتسولين من الرجال والنساء والاطفال الذين يتخذون من الاشارات الضوئية مسرحا يحيون عليه مراسم احتفالاتهم الموسمية بإسم الدين !!

* قوافل الخير والتبرعات والنشاط الملحوظ للجمعيات الخيرية والتي اجد في انتشارها بكثافة في هذا الشهر بعض المبالغة والإبتذال ، وكأني بها تعزف على لحن هذه الروحانية المؤقتة التي يبرأ منها ديننا الذي لا يليق به الا ان يكون منهج ودستور حياة يتصف بالاستمرارية والثبات ( وان كان مغزاها نبيلا ومنطلقا من باب فذكر إن نفعت الذكرى )

اكتفي بهذا القدر ، ولكل منا ان يبحث ويتمعن فيما حوله وبمحيطه من عادات تنتقص من روح هذا الشهر الفضيل ، ولنجدد عهودنا مع الله ونتفكر بآياته لتكون لنا المنارة التي نسترشد بها وسط هذا الضجيج والظلمة ، عسى ربنا ان يتقبل منا اعمالنا واعوذ بالله من ان نكون ممن قال فيهم الله تعالى :
“قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا” صدق لله العظيم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى