الكاتب الحقيقي / موسى إبراهيم أبو رياش

الكاتب الحقيقي
الكُتَّاب الذين يُمسكون العصا من الوسط في نقد الحكومات؛ رغبة في الحصول على مكتسبات وتنفيعات، والمحافظة على بعض الشعبية في الوقت نفسه، لن يطالوا إلا السراب.
إنَّ النقد الناعم تزلف، وطبطبة،ومديح في حقيقة الأمر. فعندما تكون المصلحة العامة ومصلحة الوطن هي الغاية، فلا مجال لتعدد الألوان، ولا لنظرية نصف الكأس، ولا لمقولة (أحسن من بلاش). فتعدد الألوان إضاعة للحقائق، وتفريق لدم الوطن بين عصابات الفاسدين. ونصف الكأس بضاعة التجار وسماسرة القوم، ولكنها لا تُرضي سدنة الوطن، وحراس الفضيلة، الذين تتقطع أفئدتهم خوفاً عليه. و(أحسن من بلاش) شعار من لحسوا خيرات الوطن، ورموا إلينا بالفتات، ودأب من نصَّبوا علينا مسؤولين، يتعثرون بأذيالهم، لا يعرفون كوعاً من بوع، بحجة مَنْ في (الطنجرة تخرجه المغرفة)، طنجرة هم حُراسها، ومغرفة صنعوها حسب مقاساتهم وشروطهم.
لا يا قوم، إنَّ الكاتب الحقيقي لا ينحاز إلا للوطن، وللشعب المبُتلى، وللأجيال القادمة مضببة المستقبل. الكاتب الحقيقي لا يكتب إلا من حُرقة تكوي أضلاعه، وتُمزق قلبه، وغُصة تكاد تُزهق روحه؛ حباً بالوطن، وخوفاً وحرصاً عليه.
الكاتب الحقيقي لا ينتقد شهوة للنقد، ولا حباً بترانيم المفاسد، وإنما لأنه على يقين أن كل الحكومات فاشلة، وكل حكومة أفشل من أختها. حكومات تعتاش على دم الشعب، تنهب جيوبه، وتسرق أحلامه، ثم تمنُّ عليه بخدمات مَعِيبة، وإنجازات شكلية، ووظائف لا تُسمن ولا تُغني من جوع. حكومات تتفن في الفشل، وزيادة المديونية، وعجز الميزانية، وزيادة معدلات البطالة، وإفقار الشعب، وصناعة السحيجة وكتاب التدخل السريع، الذين يحرفون الكَلِمَ عن مواضعه، ويصنعون من الأوهام قصوراً، ومن الفشل إنجازاً، ومن الخيبة نجاحاً، ومن المواطنين الحقيقين المخلصين، أعداءً للوطن، وأصحاب أجندة خاصة، يهددون أمن الوطن وسمعته. حكومات نكبت الوطن بأكبر جيش متقاعد في العالم من أصحاب الدولة والمعالي والسعادة والعطوفة، لا عمل لهم في الحقيقة إلا حضور الولائم، وترأس الجاهات، وتخريب ذات البين!
الكاتب الحقيقي ليس متسولاً على أعتاب السادة ومغتصبي المناصب، وخبراء النهب والسلب، وحفظة الشعارات الرنانة الزائفة. الكاتب الحقيقي لا ينتظر أن يُنعم عليه، أو يُذكر في سهرة أنس، أو يُمنح منصباً لا حق له فيه. الكاتب الحقيقي لا تُسيل لعابه جزرة، ولا يخطف أبصاره بريق زائف، ووعد مكذوب. الكاتب الحقيقي لا يقبل على نفسه أن يكون ماسح جوخ، أو مكشة ذباب، أو مروحة لوجه حسناء، أو ظلا لأحد كائناً من كان.
الكاتب الحقيقي نسيج وحده، لا يهمه إلا رضا رب العالمين. يقول كلمته بقوة وشجاعة أو يصمت.
أما أولئك الذين يتمرجحون ذات الحكومة وذات الشعب، فلن ينالوا عنباً ولا حُصرماً. ولن يَسُفوا إلا التراب!

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى