العيد في قناعات الأطفال لا خلف أقنعة الكبار

#العيد في قناعات #الأطفال لا خلف أقنعة #الكبار

#شبلي_العجارمة

وأنا أعبرُ الحارة الفوقا لقريتي العتيقة، طفلةٌ طفلتان خمس، كن يركضن بحذر ،يخشين إثارة الغبار أو حذراً من السقوط على أرصفة التراب والعشب، يراوفن على ثيابهن الجميلة في عيونهن الأجمل ، ركنت سيارتي او بالأحرى مشيت على مكثٍ ،كي أسترق النظرات والسمع، ثم مشيت بعيداً ومرآة سيارتي الصغيرة تجلب لي بقية التفاصيل.
عبر دروب المسافات التي أقطعها صباحاً باكراً نحو جولة صلة الأرحام ،وتقطع اوصال جسدي عند المغيب وطلب اللجوء من فرشة صوفي من الإجهاد والتعب في بواكير العيد ، ولدي غيث وبنتي روعة ، استنساخٌ لكل تفاصيل أعيادي إبان طفولتي، بجانب الوسادة يصطف الحذاء برائحة المصنع الجديد، والطقم الجديد معلقٌ على مقربةٍ من يدي ، يستيقظون باكراً باكراً جداً ، رغم تقلبهم الكثير والتظاهر بالنوم فرحاً بالعيد وكل تفاصيله الدقيقة.
بعد الصلاة يجلسون وكأنهم تماثيل، يحاولون عدم جعلكة الملابس وحريصون على بقائها نظيفة ليومٍ آخر ، يسترقون النظر من ملابس بعضهم البعض لمقاييس الجمال ،مع بقاء قناعاتهم الخاصة أن كل واحدٍ منهم يهزأ في سريرته بأن ثيابه هي الأغلى والأجمل من ثياب نظرائه وأقرانه ،وأنها محط أنظار الآخرين الذين يوزعون المجاملات بالتساوي كي لا يخدشون براءة الطفولة.
هو العيد الذي بات يعبر كسحابة صيفٍ على عجل إلا من دهشة الأطفال وبهجتهم المتجددة،وهو العيد الذي تعاقب علينا أحقاباً بذاته، كلما كبرنا تعودناه فتذمرنا، وعبرناه بعجالةٍ فخذلنا.
العيد وجهٌ من أوجه القناعات لا ابتسامةٌ صفراء تقبع خلف اقنعة الوجوه الشاحبة وفي أقبية القلوب العليلة.
العيد كلما اشتقت لوجهه الحقيقي، تواريت عن الجميع ، وركبت سيارتي وولجت في إحدى الحارات المكتظة بالأطفال ، فأقرأ قصة العيد القصيرة بكل تجلياتها على جدائل الصبايا اللواتي لم يبلغن بعد، وأتلو مقدمة روايته على مسدسات الفلين والصوت والخرز في مطاردات الأطفال لبعضهم البعض خلف جدران البيوت المشاع في نهار العيد، والعيد هو حصيلة الحلوى في حقائب البنات والأولاد عند الغروب والعودة المنهكة للبيت، والعيد هو كم بيتاً طرقه الأطفال ليسلموا على أهله وهم يقلدون الكبار .
العيد ما بين ساذجٍ كبير وصادقٍ صغير ، كوجهة نظرٍ غير متكافئة بين زوايتي نظر متابينتين كل التباين.
اقرأوا العيد في صلح الأطفال الذي لا ينتهي ، وتفارحوا بالعيد كلوحة ألوان ملابس العيد بكل زركشاتها على ثياب الصغار الابرياء .
العيد ليس قبلة شاحبة في المسجد بعد انتهاء الصلاة لمجاملة الإمام، وليس بتجدد مآتم الموتى كأول عيدٍ للفقد، والعيد ليس هامش للتذمر من صلة الأرحام العربضة، والعيد ليس دفتر دكان أو صك لتاجر ،والعيد ليس عملية حساب معقدة ولا هو بروايةٍ تدور رحى حكايتها بين المدخلات والمخرجات وناتج بعد شحطتين متوازيتين!.

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى