العدالة المجتمعية 2 / 2 …. د . هاشم غرايبة

العدالة المجتمعية 2 / 2
في القسم الأول من هذا الموضوع درسنا المجتمع الأوروبي كعينة لنتاج الجهود البشرية لتحسين العدالة المجتمعية، وتوصلنا إلى أن التطورات والتجارب التاريخية أوصلته الى حالة من الإستقرار، بعد أن تم تحقيق الكفايات المادية بدرجة مقبولة للطبقة الوسطى، التي تضخمت بعد أن انتقلت نسبة من الطبقة الدنيا إليها بسبب نجاح الإزدهار الصناعي بتقليل نسب البطالة.
لكن السؤال الهام هو: هل يمكن استنساخ مستخلصات التجربة الأوروبية وتطبيقها على المجتمعات البشرية الأخرى؟.
للأسف ذلك متعذر ليس بسبب تقدم الجنس الأوروبي أخلاقيا أو تفوقه عقليا، بل لأن الأدوات اللازمة لتحقيق الكفاية وتكافؤ الفرص لأي مجتمع هي إقتصادية أولا وأخيرا، والإقتصاد الأوروبي يعتمد أساسا على التصنيع وتوفير الأسواق المستهلكة للمنتجات، المستهلك الأوروبي محدود عدديا، وبدون وجود العالم الثالث الذي يحوي الشعوب المتخلفة تصنيعيا والنهمة استهلاكيا، ستنعدم الأسواق وتفلس المصانع ويسرح العمال و تتوقف التأمينات الصحية والإجتماعية عن الإيفاء بالمتطلبات .. إذن ينهار الإقتصاد ومعه الأمن المجتمعي.
لذلك احتكر الصناعيون التقنية التي تكفل تفردهم بالتصنيع المجدي اقتصاديا، وفي سبيل ديمومة ذلك، احتكروا الطبقة العليا، وحددوا حدودها بالعالم الأول، تم رسم حدود للعالم الثالث الذي بات في ظل عولمة المجتمع الإنساني، بات يمثل الطبقة الثالثة ( المسحوقة) مجتمعيا، وتكفلت الرأسمالية الإمبريالية بإبقائه ضعيفا لا يقوى على النهوض بأعباء مجتمعاته، بطرق عديدة : الحروب والقلاقل.. تعيين حكامه من عملائهم لمنع ازدهاره.. إذكاء الصراعات الأهلية لتفتيت المجتمع ..صنع الفاسدين لتدمير الإقتصاد للوقوع في حبائل البنك الدولي، وبعد ذلك ينضم المجتمع الى قائمة الفاشلين المتسولين.
هكذا توصلنا الى أن التجربة المجتمعية الأوروبية ليست أممية، بل هي مخصصة محددة بحدود العالم الأول.
إذا ما هو النظام الإجتماعي الذي يخترق الحدود الطبقية ويلغي امتيازات أصحاب النفوذ؟، ويساوي بين كل البشر بني آدم؟، ويمنع احتكارات المرابين؟، ويوجب حقا للفقراء في أموال الأغنياء؟ ….إنه النظام الإسلامي.
لا يتسع المقام لشرح تفصيلات هذا النظام، فسأقتصر على توضيح ميزاته:
1 – هو نظام شمولي لا يتوقف نجاحه على توفير الإزدهار الإقتصادي، بل يمكن تفعيله في كل المجتمعات الفقيرة والغنية والمتقدمة والمتخلفة، لأنها تعتمد على مبدأ المساواة التامة مبدئيا فلا محروم ولا مبرور، بل الكل عيال الله لا يتفاضلون فيما بينهم إلا بمقدار نفع الآخرين (الإحسان) ومنع الإضرار بالغير(التقوى).
2 – دافع الفرد الى الصلاح والإستقامة ليس خوفا من سلطة القانون فقط، بل الأقوى منه وهو الرقابة الداخلية (الإيمان بالله ويوم الحساب)، ووجود النصوص الصارمة التي لا سبيل الى التحايل عليها (الحرام والحلال).
3 – جميع تفصيلات العلاقات البينية في المجتمع محددة بنصوص دقيقة، وتصلح لجميع المجتمعات البشرية، ولكافة الأزمنة والأمكنة ابتداء بتبادل السلام الى العلاقات الشخصية والزوجية، وانتهاء بالعلاقة بعد الموت( الميراث)، ولا يوجد أي نظام بديل يمتلك هذه الميزة، لأن المجتمعات متبدلة متحولة وتقاليدها متباينة.
4 – هنالك ضبط تام للإشكالية الإقتصادية- الإجتماعية، بمنع التداعيات المدمرة للنسيج المجتمعي مثل تحريم الربا والتعاملات غير المشروعة، وتحريم البغاء وإستغلال جسد المراة تجاريا،…الخ
أخيرا، يجب التأكيد على أننا نقارن نظاما بنظام ومبادئ بمبادئ، ولا نقارن التطبيق، سواء تاريخيا مضى أم قادما سيأتي، لأن تطبيق هذا المنهج الآن سيكون مختلفا كثيرا عنه في الحقبة الراشدية (أقدم نموذج)، أوالعثمانية( آخر نموذج)، لا يحتاج لضمانات تجريبية فهو إلهي المنشأ، وسيثبت نجاحه إن طُبق حسب مواصفات المُنشيء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى