
مَتى استعبدتم الناس…!!!
بمنطق هذه العبارة الشهيرة “مَتى استعبدتم الناس” أصبح عمر بن الخطّاب فاروقا يحكم أكبر دولة في التاريخ؛ و بمنطق “الحاكم بأمر الله” في تكميم الأفواه و قمع الناس تشرذمت الخلافة الإسلامية و صارت دويلات هزيلة يستَنسِرُ بها البُغاث و يستأسِدُ بها البرغوث!
فقد و صلني اليوم تعميمٌ شديد اللهجة صادرٌ عن نائب رئيس جامعة حكومية عريقة عن طريق صديق لي في تلك الجامعة، يطلب فيه هذا المسؤول من المسؤولين في الدوائر كافة بمعاقبة موظَّفي الجامعة الذين يقومون بالنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي و “يُسيئون” في منشوراتهم لجامعتهم!!!
أوليس هذا تضييقاً على الحريّات الخاصة و الشخصية خارج حدود الجامعة!!! هذا الأمر يُعطي المسؤول الإداري الحق بمعاقبة من يشاء متى ما يشاء لأنَّ كلمة “الإساءة” فضفاضة و حمّالة أوجه و قابلة للتأويل و الشطط!!! فعلى سبيل المثال، لو حدَثَت مُشاجرة بيني و بين جاري أو ابن عمّي على رغيف خبز في الحارة و شتمني هذا الشخص قائلاً “يلعن أبو الجامعة اللي ظابّيتك”، فيمكن لهذا المسؤول الكبير أن يُحاسبني أنا بتهمة “الإساءة لسمعة الجامعة”… و هكذا دواليك!!!!
حنانيكَ يا صاحب المنصب الرفيع و تذكَّر أنَّ مُحمَّد بن عبد الله الذي يشرُف أكبر مسؤول في الكون بتقبيل يده بل و قدمه كانَ يقفُ له أسافل الناس و هو يخطب و يشتمونه فما يُعاقبهم قَط؛ بل إنَّ الأعرابي بالَ في مسجده و الناس تُصلّي فما عنَّفه النبي عليه السلام و لا عاقبه بتهمة “الإساءة” لحُرمة المسجد بل سمَحَ له بإتمام بوله!!!
و هكذا كان أبو بكر و عُمَر و الخلفاء و التابعون الذين سادوا و أداروا العالم بحكمتهم، و حِلمهم؛ و عدلهم و سعة أفُقِهِم!!! فلمّا ضاقت الصدور و العقول في العصور المُتأخِّرة تردَّت الأمَّة و انحَطَّت حتَّى و صَلَت إلى ما و صَلَت إليه من إقصاء و تشرذُم و قتل و انتقام و هوان!!! و هذا ما وَلَّدَ الفكر الداعشي الذي طالما اكتوينا بناره!!!
الحُريّة الحُريَّة يا قوم!!! فالحُريَّة يا سيّدي تخلِق جيلاً مُنتمياً و فاعلاً و مُبدِعا؛ أمّا التضييق و القمع فلا يأتي إلاّ بالأحقاد و الاحتقان و التفكُّك و التدمير!!!
حفِظَ الله شعبنا و وطننا و مؤسساتنا من كُلِّ فاسِدٍ و حاقدٍ و باغٍ و جاهلٍ و مُتَعصِّبٍ و مُتطَرِّف!!! و الله أعلَمُ وَ أحكَم!!!