السياسة الأمريكية ثابتة والرؤساء يتغيرون / كمال الزغول

السياسة الأمريكية ثابتة والرؤساء يتغيرون

كثرت التحليلات عن فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية وبدأت التحليلات بناء على قاعدة بيانات جمعت من المناظرات الرئاسية ومن تصرفات الرئيس المنتخب طيلة حياته، شخصية الرئيس الجديد قد تكون عامل جيد للتنبؤ بكيفية السياسة الجديدة وليس بماهيتها ، لكن العامل الأقوى للتنبؤ بهذه السياسة سيكون التاريخ السياسي الأمريكي المليء بالأحداث السياسية سواء كانت في الشرق الأوسط او في شرق آسيا او أمريكا اللاتينية او في القارة الافريقية.هذه الشخصية الأمريكية الفردية “الترامبية” لم تخلق اياً من السياسات التي تبنتها الولايات المتحده الأمريكية في الماضي ولم تصنع التعديلات الدستورية المتعلقة بحقوق المدنيين في السبيعنيات ولم تصنع الشخصيات الرئاسية منهجا سياسيا كما صنعت الخبرات المتواجدة داخل الادارات الامريكية المتعاقبة، فمثلا الرئيس الامريكي ترومان بعد الحرب العالمية الثانية اعتمد على مقالة كتبها جورج كنان والتي شملت فكرة سياسة الاحتواء التي استمرت الإدارات الأمريكية بتبنيها حتى يومنا هذا، وايضا حلف النيتو قام على فكرة خطة مارشال التي ضمنت المساعدات لجميع حلفاء أمريكا في العالم.

غض الطرف عن أمريكا كدولة ومؤسسات وملاحقة الشخصيات في التحليل من وجهة نظري المتواضعة لا يعطي اي مدلول على نوع السياسة الأمريكية في العالم بشكل عام وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، فخلال القرن المنصرم حدثت الحرب العالمية الأولى والثانية وأُعلن وعد بلفور عام 1917، وأُبرمت معاهدة سايكس بيكو ومعاهدة سان ريمو واتفاقية لوزان، وجسّدت الحرب الباردة اكبر ملعبا سياسياً تاريخيا بين الدول العظمى بما شملته من معضلة الحرب الكورية وحرب فيتنام وحرب ال67 وقضية الصواريخ الكوبية الى أن دخلت العولمة على الخط وهي عنصر غير شخصي ولا يتمتع باي كاريزما غريبة كما يتمتع الرئيس المنتخب ترامب و وانهار الاتحاد السوفيتي وصعدت امريكا بقطبيتها الى ممارسة سياسات ممنهجة في العراق وليبيا وجعلت من عملية السلام كعكة امريكية بامتياز مع المحافظة على تداولها في افران ساسة الإدارات الأمريكية المتعاقبة.

كل هذا التاريخ السياسي الأمريكي لا يمكن محوه ضمن فترة رئاسية يتربع عليها ترامب المنتخب بل على العكس سيحافظ عليه ولكن اطار هذه المحافظة سيكون محاطا بالكراهية والغموض لأن الحفاظ على الموجود هو المطلب الأمريكي في الفترة المقبلة ولكن الهم الأكبر للسياسة الامريكية في الداخل والخارج هو العامل الاقتصادي وادامة وظيفة الحلفاء على اكمل وجه سواء كانوا عرباً ام عجماً، فاذا وجدت السياسة الأمريكية سوقا اقتصاديا في السعودية للإستثمار سياسياً واقتصادياً فهذا يجعلها حليفا قويا ولن تخسر امريكا السوق البترولية العربية والسوق الكاسحة الصينية في آن واحد، لكن التوازنات الاقتصادية هي من ستفرض نوعية السياسة في المنطقة فلا يمكن لأمريكا ان تترك المنطقة العربية تذهب الى الحضن الروسي بالكامل وخاصة في ظل رئاسة جمهورية محافظة، واعتقد كل الاعتقاد ان امريكا ستعود بقوة الى سياسة الاحتواء في جميع مناطق العالم فالرئيس سيحكم وسيعلن قراراته من خلال قبول مؤسساته لهذه القرارات.

مقالات ذات صلة

بالنسبة للجانب العربي فمعروف عن الجمهورين أنهم يدعمون اسرائيل مع الاحتفاظ بحلفائهم العرب التقليديين، وبالنسبة للتواجد الروسي كانت عادة الحمهوريين_ عبر التاريخ المعاصر_ الخوف من نظرية الدومينو والتى بموجبها يدعمون حلفاءهم لحظهم على عدم التحالف مع روسيا وعليه فان اختصار الحركات في سوريا سيصبح مطلبا أمريكيا للتمهيد لخروج روسيا مقابل معاهدات تجارية هنا وهناك، وتخفيف العقوبات ومسألة من سيحكم سوريا ستصبح سهلة وقد تدخل روسيا في السوق الامريكية لتعويض نقص هروب بعض الدول اقتصاديا بسبب الضرائب كالصين وبعض من دول أمريكا اللاتينية.

اما بالنسبة للقضية الفلسطينية فالعرب بعد الثورات المضادة للربيع العربي هم في وضع سياسي ضعيف، وعليه لكي تحافظ امريكا على الإرث السياسي فمن الممكن أن تغض الطرف عن انتهاكات الاسرائيليين داخل القدس ومحيطها بما في ذلك اقتحامات في حرم الاقصى الشريف لكي تبين للعالم ان اسرائيل باتت اقوى مما سبق تمهيدا لإجبار الفلسطينيين على القبول بما يفرضونه عليهم.وايضا الملف ألنووي الإيراني من المنطق انه لن يتم إثارته حتى تهدأ الاوضاع السورية لأن اسرائيل تعتمد سياسة الاولويات في تصفية المنطقة بدءاً في الثورات المضادة لضمان حدود آمنه، ومن ثم الملف النووي الايراني لأن هذا الملف بالذات موضوع على أجندة الكيان الإسرائيلي بعد تصفية الحركات في سوريا على يد اصحاب هذا الملف وانهاكه اقتصاديا والمستقبل سيثبت ذلك.

نستنتج مما سبق ان الاقتصاد هو محور المرحلة المقبلة وان الاتفاقيات الاقتصادية التي تريدها الإدارة الأمريكية المقبلة هي من تحدد القيمة المضافة للسياسة الأمريكية تجاه اي منطقة، وأن ترامب سيختصر كل ما قاله في الحملات الانتخابية عن السياسة الخارجية بمشاغبة سياسية تشغل الإعلام ولا تشوّش على البنية الفوقية والتحتية للسياسة الأمريكية وان السياسة الأمريكية ثابتة والرؤساء يتغيرون وهذا ما فهمناه نحن العرب منذ وعد بلفور!

كمال الزغول
Alzghoul_kamal@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى