بوصلة العشائر الأردنية: القرداحة / عبد الفتاح طوقان

بوصلة العشائر الأردنية : القرداحة

العشائر الأردنية في الوعي التاريخي هي صاحبة الأرض التي سلمت راية الحكم، بعد ان تم انتصارهم العشائري العسكري، للهاشميين.

منذ عام ١٩١٦ والي ٢٠١٥ والبوصلة العشائرية في اتجاه الهاشميين، فيما عدا ما نسبته ٣ الي ٦ بالمئة وبعض من افراد انحرفوا عن ذلك التوجه مما تسبب في حيرة لا مخرج لها للنظام، لكنه استوعبها ويتعامل معها بحنكة.

ولكن منذ حادثة حرق الطيار معاذ الكساسبة في ٣ يناير ٢٠١٥ علي يد التنظيم الإرهابي “داعش” تبدلت مواقفهم، واتي التدخل الممنهج من غير الملك لخدمة اجندات ترتبط بغربة ، وتمتين بعض من المتجنسين المتواجدين في بعض مؤسسات لا تتعدي أصابع اليد للوصول الي مراكز وزارية و مناصب عليا ، واتي من بعدها تسريب حديث عن وجود ديناصورات تعرقل مسيرة الإصلاح والحقها إشاعة الحديث والتعرج علي دور العشائر بطرق لم تكن تخدم إيجابية الأردن ، ثم تعددت مواقف محبطة في اختيارات وزراء خلت من العشائر الأردنية باستثناء قلة متفردة، وبغياب الملك ما يقارب أربعين يوما شعرت العشائر الأردنية بأنها مهمشة و سرقت في وضح النهار ، فاتجهت البوصلة ٨٥ بالمئة الي القرداحة، وزادت نسبة انحراف البوصلة وارتفعت من ٣ و ٦ الي ١٢ بالمئة في الاتجاه السالب وانحراف خطر يحتاج الي متابعة.

والوعي التاريخي يظهر أن العشائر الأردنية هي ثمرة زمن طويل اختزن بأمانة واحتمل امرا فوق طاقته من المحبطات الفلسطينية على الأرض التي تحارب مع أهلها، واغضي في حناياه اختلافات كبيرة حول مفهوم الوضع الفلسطيني واقتسام العيش المشترك على ارضهم وبين ما يطلق عليهم فئة الانتفاعيين من بعض المسؤولين الفلسطينيين المتجنسين واللذين اثروا على حساب الأردن، تلك الفئة ممن حللت لأنفسها التحدث بثقافة الاذن لسرقة امتيازات ليست لهم.

لذا ان الأوان لإخراج الأرشيف واية وثائق من الوقائع التامة وسجلات الاحداث، نتيجة ما يدور حول صفقة القرن، والغياب المطول للملك خارج البلاد والذي عودته وظهوره الإعلامي مؤخرا لم يجب على أسئلة عديدة مطروحة في الشارع، ومنها لماذا بقي هناك طيلة تلك الفترة؟ وماذا حدث من اجتماعات ونتائجها وشروطها، خصوصا وان الوضع يلوح في الأفق وكأنه “مشهد العشاء الأخير ” لسيدنا المسيح.

وتزامن ذلك مع إعادة قرأه التاريخ العربي، والمقارنة ليجد الأردنيون ان الرئيس حافظ الأسد من شهر نوفمبر ١٩٧٠ وحتى شهر يونيو ٢٠٠٠، طيلة فترته الرئاسية، ثلاثين عاما، لم يغادر سوريا الا لمدة لم تتجاوز الثلاث أشهر، كما وان الرئيس بشار الأسد خلال الفترة من عام ٢٠٠٠و حتى ٢٠١١ مجموع مغادراته لسورية لم تتجاوز الخمسين يوما .

و تزامن ذلك أيضا مع طلقة جريدة الراي ، جريدة الحكومة الأردنية ، من مسدس مرخص حكوميا للكاتب احمد سلامه الاحجا ، المستشار الإعلامي في الديوان الملكي الأردني ثم في الديوان الملكي البحريني واصفا الأردنيين بالديدان وأبناء و بنات الليل ( نعت يحاسب عليه قانون قذف المحصنات ) ، اتبعه لواء سابقا في المخابرات ممن تجنسوا بالجنسية الأردنية منذ زمن ، وكان أحد مساعدي مدير المخابرات ورئيسا لديوان المخابرات ، ورئيسا لمحكمة ومديرا للأحوال المدنية والجوازات العامة ، بمقال يحاسب فيه الأردنيين عامة و العشائر خاصة علي قلقهم علي ملكهم ،واصفا إياهم بالمشككين لأنهم تسألوا عن الملك و سبب غيابه و يدعو الي قيام الشعب بأجراء ضدهم وهو الذي قال ” نحن الشعب الاردني علينا وضع حد لهم ورد كيدهم الى نحورهم”. وتساءل الكثيرون من يقصد بكلمة ” نحن” من تمثل؟ وأي شعب؟ ومن يمثل هو بحديثه ذلك ليعطي تعليمات الدحر والنحر كما تفعل “داعش”؟

ثم اتي بعد ذلك الحديث الذي حصر لعدد رؤساء الحكومات في عهد الملك عبد الله ومدراء المخابرات لتكن متوسط المحصلة ٨٠٪ من أصول سورية لكلا المنصبين، علي أبو الراغب، عدنان بدران، نادر الذهبي. د. هاني الملقي، د. عمر الرزاز كرؤساء وزراء في مقابل خمس أردنيون الفايز ود. معروف البخيت ود. عبد الله النسور و د. عبد الرؤوف الروابدة ود. فايز الطراونة، بينما مدراء المخابرات من اصول سوريه هم سميح البطيخي، سعد خير، سميح عصفور ، محمد الذهبي، عدنان الجندي في مقابل اثنان أردنيين هما محمد الرقاد وفيصل الشوبكي مع حفظ الالقاب.

واقصد ان العشائر لم تجد لأي من الأردنيين من أصل سوري اي اجندات خاصة منذ تأسيس الامارة، ولم يشكلوا تهديدا بإقامة وطن بديل ولا خوف منهم ولا يحزنون، خصوصا وانه حتى تاريخيا الأردن العروبي يعتبر نفسه جزءا من بلاد الشام.

وراجع المختصون عدد الوزيرات ليجد انه في عهد الملك عبد الله نسبتهن من أصول فلسطينية ٦٥٪ حيث ١٣ وزيره من أصل ٢٠، ولم تأت أي وزيرة من العشائر باستثناء رويده المعايطة .
وبالطبع ترتفع النسبة إذا ما تم احتساب ان ٨ وزيرات اعيد تدويرهن في أكثر من وزارة لاحقا لتصل الي ٧٨٪ مع العلم ان اختيارهن تم لتواجدهن في مؤسستان تتبع القصر، وهو ما يثير التحفظ لدي العشائر والأردنيين تحدث عنهما ضمنا نائب الطفيلة تحت بند تداخل الصلاحيات.

واعود مجددا لانقل ان العشائر الأردنية والأردنيون يرون أن سوريا هي رئة الاردن الطبيعية. كما وانهم يرون انهم” محكمون” من السوريين اللذين وفدوا من قدم الازل، لذا فلن يختلف عليهم شيئا إذا ما استمر عليه الحال كذلك. بالطبع هناك ما سبق وان تحدثت عنهم واللذين يمثلون ١٢٪ يخالفون ذلك النهج جملة وتفصيلا.

وأيضا استذكرت العشائر الأردنية موقف الرئيس حافظ الأسد، في اثناء حرب أيلول من عام ١٩٧٠ والذي رفض تامين غطاء جوي للهجوم على الأردن ومساعدة الفدائيين الفلسطينيين ، وقال جملته الشهيرة ” لن اسمح بتحويل الأردنيين الي هنود حمر في وطنهم ” .

وبالتمعن في الساحة، حيث يشير بعض الساسة ان الإسلام السياسي المصدر أمريكيا والمعبأ بقواعده واساساته بحشوات فلسطينية تستخدم المنابر في المساجد، رغم تقاطعه مع إيران والتي تدعم سوريا في مواقفها، يعتقدون انهم هم ألاكثر خطورة على الأردن من السوريين المتجنسين اردنيا واللذين حكموا الأردن ولا زالوا.

بل انهم يجدون أنفسهم الأقرب الي سورية بعد ان كانوا في خندق الثورة ضد الرئيس بشار الأسد، وهو تحول خطير وفي نفس الوقت هي إشارة ورسالة الي النظام الأردني توحي ببدء تآكل الثقة و هو ما يستدعي دراسة الامر من الدوائر المعنية حفاظا علي النظام و الدولة، خصوصا و ان درجة التحسس بتوافر صفقة القرن و المصفقين لها وصل لدرجة ان شعار فلسطين في يد شابة اردنية امام كاميرات العالم كفيل بانطلاق ثورة غضب “اميري” و تعريف الاميري ما يطلق علي ممتلكات الحكومة ، ومرتبة من مراتب الشرف عند العثمانيين ، و حاكم من اصل شريف يمثل الاردنيين. وبدء السؤال كالسهم “من الذي اوحي لأميرة هاشمية اردنية، لها مكانة في القلب، ان تضع في يدها شعار فلسطين يوم تخرجها عوضا عن شعار الأردن، حيث ان العرف حتى في البطولات الرياضية ان يتم رفع علم وشعار الوطن لا وطنا اخرا؟

ومن جهة أخري ورغم ان عدد الفلسطينيين في سوريه تجاوز٥٣٠ الف من المهاجرين و تتم معاملتهم بحقوق متماثلة مع حقوق السوريين باستثناء الترشح و الانتخاب الا ان هناك حالات تاريخية خاصة من العداء السياسي السوري الفلسطيني، الخفي و المبطن غير المعلن ،خصوصا بعد حرب أيلول و حرب لبنان و الذي اظهر الفلسطينيون في البلاد التي انتقلوا اليها كمحتلين ، و ان لديهم فهما خاويا لمصطلح “شعب واحد لا شعبين يقصد به شعبا واحدا في مواجه المحتل ” و فسر فلسطينيا علي الأرض الأردنية علي انه شعب واحد لا شعبين يمتلك الأرض و يريد السلطة و الحكم و من بعدها مطالبين بحقوق ادعوا انها منقوصة .

من كل ما سبق، و حيث ان الوعي التاريخي يؤكد ان العشائر الأردنية حدودها الطبيعية هي الشام، و حيث ان لا يوجد حتي الان أي تفسير او شرح عن غياب الملك تلك المدة، و شعرت العشائر انها لا تدري حتي الان بماذا حدث او قد يحدث او يخطط له، و أن القائد غائب او مغيب، و انهم ممنوعون من السؤال، و أن ارتفاع منسوب الفساد قد وصل واعتلي اسوار الباب العالي دون محاسبة، فقد برز الي الساحة بوصلة ” القرداحة “و التي هي إشارة واضحة لا يمكن القفز عنها او التغاضي عنها، لأنها تعني” يا شام ضميني و بترابك كفنيني و بياسمينك عطريني”.

اللهم اشهد أنى بلغت.
aftoukan@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مع اتفاقي معك بتحليلاتك عن المكون السوري في الاردن,الا انك جانبت الصواب لتشبيهك هذا المكون بالمكون الفلسطيني ,حيث ان الاردنيين من اصل فلسطيني قد حصلوا على حقوقهم كمواطنين في الاردن بناء على قانون الوحدة بين الضفتين.
    اما من وصل منهم الى الاردن في عام 1948 فقد حصلوا على حقوقهم كمواطنين من الدستور الذي بين ان الاردني كل من كان على الارض الاردنية في ذلك العام.

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى