“الام الصابرة”

“الام الصابرة”
خوله كامل الكردي

تقف امام النافذة تنتظر رجوع قطعة من فؤاد طال غيابها، عيناها الغائرتان تنم عن اصرار كبير لا يلين، وشفتان لم تنهكهما العبارات ولا الكلمات، وخطوط الزمن ارتسمت على جنبات وجهها، وبصوت هادئ يعلوه بحة تفصح عن حزن عميق، وغصة في الحلق تعاتب قضبان القهر والوجع، وتمتمات بلسان يلهج بالدعاء لعل الله يزيح الغمة وتنقشع العتمة، مخاطبة عصفور حط على طرف النافذة، ” لو انك يا عصفور تبعث سلامي لحبيب ذرفت الدمع عليه دهرا، لم يدر بحالي ولم يراف صاحب السجن بولعي وهمي على فراقه”، ودت لو ينبت لها جناحين وتطير الى مكان الحبيب الغالي، فتخبره عن شوق جارف واشتياق، فقد انحنى الظهر وشاب الراس وبلغت من العمر عتيا، والصبر ضاق ذرعا بصبرها، فتحول الى صخرة شامخة لا تحطمها رياح ولا زوابع.
تلك هي قصة الحاجة ام كريم والدة الاسير كريم يونس الذي اتم ٣٧عاما في سجون اسرائيل، الامل في قلبها مازال متقدا، والياس لم يتسلل اليها يوما، تجاوزت ٨٤ عاما وهي تنتظر، اخذوه من حضنها فقد كانت تربيه حتى تفرح به وباولاده، يصبرها بالقول “اصمدي يا امي، ساتي يوما وارتمي في احضانك”. تسالها عن ابنها فيفيض لسانها بلوعة البعد عن فلذة كبدها، وحرقة الدموع التي جفت في الماقي.
فكريم يونس هو اقدم اسير فلسطيني في سجون الاحتلال وفي العالم، ولد في بلدة عاره في المثلث، فقد اسر عام ١٩٨٣ وهو في سن الرابعة والعشرين طالبا في الجامعة، التهمة حب الوطن والانتماء له، حكم عليه بالاعدام شنقا ثم ما لبث ان تم استئناف الحكم وقررت المحكمة اصدار حكم بالسجن المؤبد عليه، لم يكل او يمل عميد الاسرى كريم يونس بانه سيخرج يوما، ورفض ان يكون ورقة ضغط ومساومة في اي صفقة تبادل للاسرى. يساعد الاسرى ويجتهد في ذلك، لم تشا الحكومة الاسرائيلية الافراج عنه، كي ترسل رسالة واضحة لكل فلسطيني في الداخل بعدم الخوض في اي حراك او نشاط مناهض لها.
ختاما: فام كريم نموذجا لامهات اسرى كثر، يعانين من اعتقال ابنائهن الامرين، ويتجرعن ويلات انتظار خروجهم يوما ما، ويتعجلن مجيئه، قبل ان ينطفئ العمر ويصبح اللقاء مستحيلا الى ان يشاء الله، ويبقى الامل في قلوبهن حي ينبض يترقب لحظة العودة، التي طالما حلمن بها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى