الإعلام الأردني ودواوين العجائز..

الإعلام الأردني ودواوين العجائز..
بقلم د.فلاح العُريني.
مؤلم جداً أن يصل إعلامنا المرئي والمقروء والمسموع إلى هذا الانحدار اللغوي العقيم، وإلى هذا البذخ في تقطيع أوصال اللغة ورمي مفرداتها واستبدالها بمفردات سوقية لا يستوعبها لبيب، ولا يُشفى من جرحها طبيب، ولا يستلهم مواضع الكَلِم فيها غريب.
إعلامنا بات سوقيًّا بامتياز، فاقدًا لشرعية اللغة ونظم الحرف، معززًا لثقافة التطوير للخلف من خلال زعزعة استقرار اللغة في وجدان أبنائها..
على صعيد الإعلام المرئي، ممثلًا بما يسمى بالقنوات الوطنية وعلى رأسها طيب الذكر التلفزيون الأردني، نرى في لباس مقدمي البرامج ما يخفي كل تراث عربي أصيل، وما يقتل كل الدلائل التي تشير إلى أن المتكلم عربي، ينطق بلسانٍ عربي مبين، فاللباس الغربي لا يمكن أن يصنع لسانًا عربيًا زاخرًا بالفصاحة والبرهان والحجة..
أما على صعيد الإعلام المسموع ممثلًا بالقنوات الوطنية والإذاعات المحلية، فنجد أن اللسان كذيل الكلب أعوج اعوجاجا عصيًا على الاستقامة، فقد استبدلت نعم الإقرار بكلمة (أوكيه) المارقة، والأسف والاعتذار الذي هو من شيم الكرام بكلمة (سُري) المترهلة، أما الوصف والجمال فترجمته السنة الثعابين الإعلامية بكلمة (نايس) الساذجة.
وأما على صعيد الإعلام المقروء الذي يزخر به وطننا الغالي من خلال الصحف الورقية والإلكترونية الصفراء كبول الإبل تمامًا فتلك قصة تدمي القلب وتجعل من درس الإملاء خاصرة في روح اللغة.
فكل كاتب جعلته السليقة والتملق أبا الحروف، يلفظ كل ما يكتب ويكتب كل ما لا يلفظ..
ففي مقالاتهم كرم حاتمي مع حرف الألف: فهاذا، وذالك، ولاكن، والرحمان، كلها أدلة على كرم الصغار ممن تدلوا لعابهم.
أما صلة الرحم فهي لم تغب اصلاً بين الكلمة وأختها، وإذا سألت فستجدها بقولهم: إنشاءالله، رأسالمال، تسعتعشر.
أما حديث الهمز واللمز في عالم همزة الوصل والقطع، فما عاد قانون اللغة يحاسب عليه، خوفًا من اندثار اللغة نفسها.
وختامًا..
نحن في الأردن بحاجة إلى ثورة إعلامية حقيقية تطهر الإعلام من نجس الأقلام الساقطة لغويًا قبل تطهيرها من نجس الفكر المزيف، ولا بد من حركة تصحيحية نخلق من خلالها رجالاً وسيدات إعلام لهم القدرة على النطق الجوهري والحقيقي للغة القرآن الكريم، وتخليص القنوات الرسمية من الدمى المتحركة التي بالت على حَقِّنا في سماع لغتنا الجميلة.
ويبقى السؤال خاثرًا:
من أتى بمثل هؤلاء؟
هل اختيار وزراء الإعلام ومدراء الإذاعات والتلفزة على مر السنوات كان اختيارًا مدروسًا؟
هل كانت اللغة العربية والتميز بها نحوا وصرفا وقراءةً وكتابةً شرطاً للعمل الإعلامي قبل اشتراط شهادة البكالوريوس كحد أدنى في الصحافة والاعلام؟
هل مساقات التدريس في قسم الإعلام في جامعاتنا المترهلة تحوي كمًا كبيرًا من مواد اللغة العربية؟
هل هنالك امتحان كفاءة لمن أراد أن يقدم نفسه كإعلامي يتصدر المشهد الحزين والواقع المكلوم على منصات الإعلام الوطنية؟
هل فكرتم بالحرج الذي يصيب المواطن والوطن أمام الرأي العام العالمي عندما يتلعثم رجل الإعلام لدينا، ويأتي غير العربي ليصحح لعرابي الحظ النحس مخارج الحروف؟
هذه الأسئلة جميعها أضعها على طاولة وزير الإعلام، وليبدأ بنفسه إن أراد الإصلاح ما استطاع، أما أنا سأبدأ بنفسي لتصحيح ما شاب حروفي من ارتجاج باللغة.
وأخيرًا وصيتي إليكم وصيتان:
أولًا: حاربوا الواسطة والضغوطات في مجال الإعلام عند التوظيف..
ثانيًا: نظفوا إعلامكم ولا تتشبهوا بدواوين العجائز.
والله من وراء القصد.

أرهقتني ياوطني.

د. فلاح العُريني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى