عَلَمٌ على وطن

عَلَمٌ على وطن.
د.فلاح العُريني

من الطبيعي أن تحتفل كل دولة بانجازاتها واعيادها الوطنية ومناسباتها الرسمية، والأردن كباقي الدول لها من المناسبات الوطنية والاعياد القومية مايمنحها الحق في التعبير عن هذه الاحداث بطريقتها وذلك تجسيداً لحب الوطن والتفاخر بانجازاته متى وجدت..
كتب الله لنا العمر لنعيش احتفالات الوطن بالمئوية الأولى لتأسيسه واعلانه كدولة نالت استقلالها السياسي فقط بعد مضي خمسة وعشرون عاماً على هذا الاعلان..
بدأت الاحتفالات من مشارق الوطن ومغاربه، ولانشكك باهداف هذه الاحتفالات، ونعتبرها جميعاً جاءت بالفطرة التي تربى عليها المواطن الأردني من حبه لتراب هذا الوطن، الذي لن يأوينا غيره مهما شعرنا فيه من ظلم وتجنِّي وفقر وانعدام للعدالة..
وهاهي امانة العاصمة احتفلت بطريقتها المتسارعة لتعبر عن اعتزازها بوطن مضى على كينونته مئة عام..
كانت الطريقة التي عبرت فيها امانة العاصمة عن احتفالها طريقة عجيبة مريبة مشتتة الاوصال..
فجعلت من العلم الأردني، عنوان هويتنا، ضحية وتجربة فاشلة تُسأل عنها الامانة لو كان هنالك امانة وعدالة..
فماذا جرى، ولماذا انتهى المطاف بالعلم إلى هذا الحال؟
ان استغلال العلم الوطني والذي يمثل رمز الدولة الحقيقي بهذه الطريقة التي استفزت جميع الأردنيين على اختلاف توجهاتهم وافكارهم، يجعل الامانة مسؤولة مسؤولية اخلاقية وقانونية عن هذا السلوك الذي اساء للوطن أولا ولمواطنيه ثانياً، وذلك ضمن الاعتبارات الآتية:
أولاً: كنا نتمنى من امانة العاصمة ان ياتي احتفالها بالمئوية الأولى للدولة الأردنية من خلال افتتاح مشروع كبير كانت قد انجزته، او من خلال الحديث عن سلسلة من الانجازات كانت قد ابدعت فيها الامانة ليشهد لها القاصي والداني بذلك..
فكيف لها ان تحتفل بالولاء والانتماء لوطن كانت هي شريكة في مظاهر الفساد الذي نخر اركانه، فالكل يتحدث عن فساد الأمانة المالي والاداري، وتخبطها وتغولها وسوء استخدام السلطة واستغلال الوظيفة لمكاسب خاصة ولفئات محدودة من ابناء العاصمة وقاطنيها، فبأي وجه ستواجه الامانة ابناء الوطن..
فمن خلال ماتسرب الينا من تعيينات سابقة في امانة العاصمة فإنني ارى وبحق ان تقتصر الامانة احتفالاتها على مستوى عائلي فقط لا اكثر ولتحتفل العائلة الاكثر انتشارا بين موظفي الامانة، ولايجوز ان يغزونا مثل هذا الاحتفال الذي ترعاه امانة كانت قد باعت الامانة وافضت بالعاصمة إلى سراديب الغش والفساد ابتداءً من شبكة الصرف الصحي التي اغرقت العاصمة طيلة فصول الشتاء مرورا بالانهيارات وليس انتهاءً بالتعيينات حسب دفتر العائلة.
ثانياً: كان حري بمن تبنى فكرة عمل اطول علم ان يحترم المادة الرابعة من الدستور والتي بينت لنا مواصفات العلم من حيث القياس، فذكرت ان العلم الأردني يجب ان يكون طوله ضعف عرضه، وهذا الشرط لم تلتزم به امانة العاصمة عندما جعلت طول العلم يقارب الثلاثة كيلو مترات في حين عرضه لايتجاوز الستة امتار، فهي بذلك لم تقم بصناعة اطول علم، بل بعمل اطول يافطة او اطول قطعة قماش متماسكة، وما يؤيد رأيي ماجاء على لسان موسوعة غينيس عندما اعتبرته اطول يافطة، وهي محقة بذلك من الناحية القانونية، فمن البداية فشلنا في معرفة ابعاد العلم الوطني فكيف لنا ان ننجح بجعله في المقدمة، فما بني على فساد فمصيره التهلكة.
ثالثاً: سكان العاصمة عمان والذين يقبعون تحت مسؤولية امانة العاصمة، جلهم يشكو الفقر وسوء الخدمات وسرقة الحقوق والمحاباة في تقديم الخدمات، فكان الاولى ان يتم رفع الظلم عنهم وتحريرهم من براثن الجوع والعوز، فهذا أولى من استغلال العلم الأردني للبحث عن وطنيات مزيفة لاتمت للوطن بصلة، وليس فيه الا نفاق وطني بامتياز، بحثا عن مناصب اعلى لعلها تاتي بطريقة التزييف والخداع، فالضحكة الصفراء التي تبثها امانة العاصمة في وجوه مواطنين اغرورقت عيونهم من ذل الحياة وسطوتها، لايمكنها ان تخفي فسادا استشرى في روح الامانة منذ عشرات السنين بحيث اصبحت مرتعا للمحسوبية والسلب والنهب على حساب المواطن الفقير الذي ضاقت به السبل وعصفت به نيران الوحوش البشرية.
رابعاً: ان اهدار المال العام بهذه الطريقة الفاضحة للعلن، جهارا نهارا وعلى مرأى ومسمع الجميع ممن هم بأمس الحاجة للمساعدة وانقاذهم من بطش الجوع، يمثل جريمة اقتصادية مستقرها محكمة امن الدولة لما في ذلك من افساد للحياة الاجتماعية وزرع الاحتقان في النفوس وتهريب العدالة الى خارج مستوطنها..
فكيف سولت للامانة نفسها ان تغرق خزينتها بهذا الهدر المالي الذي لم نجد له تبريرا الا مزيدا من السلب والنهب تحت حماية القانون وظل الوطنية المزيفة.
ان هدر المال العام بهذه الطريقة وبهذا الوقت الذي تدعي فيه الحكومة الحرج المالي وهشاشة الوضع الاقتصادي، يمثل خيانة عظمى وطعن في خاصرة الوطن في وقت تحتفل به الحكومة بمرور مئة عام من عمر الدولة الأردنية ونحن نبحث عن حكومة تستطيع ان تقوم بواجباتها الموكولة اليها خير قيام، ومازال البحث جاريا دون جدوى.
خامساً: لملمة العلم الأردني قبيل انجازه والغاء الفكرة بعد انجازها دون تبرير وبطريقة مشينة اساءت لقدسية العلم، كل ذلك يبعث على الشكوك والغاية من هذه الفعلة غير القانونية..
فمنذ متى تقوم الشعوب بحياكة اعلامها الوطنية ثم رميها وطيها دون احترام.
فمن اساء للعلم الأردني فقد اساء للأردنيين عامة، ووجب تحريك دعوى الحق العام في مواجهته مادمنا نعيش في كنف دولة تحترم قوانينها وتتعامل مع مواطنيها بمساواة وعدالة وتقدم مصلحة الوطن على اي مصلحة خاصة مهما عظم صاحبها..
دعونا مرة واحدة نرى القانون فوق الجميع..
دعونا مرة واحدة نرى القانون يطبق على الجميع..
دعونا مرة واحدة نُفعِّل نصوص القانون بما يضمن العدالة والردع والحفاظ على النظام العام.
دعونا مرة واحدة نتلقى اجابات صريحة وصادقة حول:
تكلفة العلم الأردني؟
الجهة المنفذة لذلك العطاء؟
مصير العلم بعد ان تم تفصيله ثم اتلافه؟
المسؤول المباشر عن هذا العمل غير المدروس؟
وفي الختام كنت اتمنى لو استغلينا مساحة العلم الأردني الذي تم انجازه والبالغة حوالي ثلاثة عشر دونماً لتغطية اراضي العبدلي التي تم بيعها، او لتغطية شركتي البوتاس والفوسفات لوقف هدر المال العام، او لتغطية مفاعل طوقان النووي للحد من الرواتب الفلكية، او لتغطية قبة البرلمان الاردني لدفن اصوات كنا نظن انها تمثل الشعب لاتمثل عليه..
الوطن بحاجة الى علم بمساحة قدرها ٨٩ الف كيلو متر مربع، لحمايته من اللصوص والسماسرة، فليس هنالك شبر واحد من بقاع الوطن بمنأى عن السلب والسرقة..
اللهم حرر الوطن من ايادي عبثت فيه ولاتريد له الخير ابدا..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى