اختلال المتن والهامش وغياب النص !

اختلال المتن والهامش وغياب النص !
اسماعيل أبو البندورة
أين هو المتن التاريخي والسياسي العربي المفصح عن حال الأمة وواقعها الراهن بتعبيرات منتظمة وعناوين واضحة وبما يشكل وقائع وعلاقات تتوافق ومعطيات العصر وتنبىء عن مستقبل واعد ومنتظر ؟ وأي هوامش يمكن أن تكتب على ضفاف هذا المتن الذي يتحول الآن إلى نص غائم ومبهم وواقع مضطرب تتصارع بداخله كل ألوان الهمجيات وتجليات اللامعقول ؟
إذن نحن أمام متن تاريخي اجتماعي – سياسي ملتبس ومضطرب لا يمكن مقاربته بطرائق منطقية ، ونحن أمام هامش مفرغ لا مساحات وممكنات فيه للتعقيب والإضافة والتصحيح ، وتلك هي مفارقة مشاهد واقعنا العربي الراهن الصارخة والمؤرقة حيث يستحيل على المرء كتابة هامش ما على متن بلا جوهر ويكتظ بكل ألوان الاختلاطات والرؤى الشاردة ويستعصي على التحليل المنتج للهوامش المغايرة والمخصبة .
ومع أننا نحاول في كل ما نكتب أن نتصور إطارات وممكنات وافتراضات لبناء متن عقلاني فيه رأي آخر ومختلف وتتحدد فيه المسائل والوقائع وتنتظم فيه سياقات الاشكاليات لكي نفتتح حقولا ومساحات لهوامش ادراكية واستنتاجات تجعل المتن يتحول إلى تاريخ مباشر يمكن قراءة أحداثه بمنهج ورؤية واضحة وتحوله إلى أرضية لتطلعات محددة في التطوير والتغيير واختراق الانسداد .
بين هذا المتن الغائب والمبدد والهامش المتعذر تتوزع العذابات والانجراحات الفكرية والوجودية إذ يجد المرء ذاته بلا نص وبلا يقين وتراه يتسكع بين الكلمات والمقولات ويتصعد لديه اللامعنى وفائض اللامعقول لدرجة مرضية ويفتقد الوضوح ويعمّ الاغتراب ، وترى الناس جماعات تشطح وترحل إلى الخيال أو إلى صوفية سطحية غرائبية تفتقد إلى المعاني الصوفية الايجابية الاحتجاجية وتنزع إلى اللواذ عن مجريات الواقع بالدردشة والدروشة والخرافة .
وترى الخيوط تتقطع بين الناس والنخب وتتصاعد دهمائية اجتماعية ظلامية بلا تاريخ أو قرار تراها تحدق في العدم لتجد العزاء والبديل في البعيد المبهم بدل النظر في غياب الحضور في الحاضر ولا أحد يسأل إلى أي مستقبل نسير وأين المفرّ ؟ لأن الجميع في انشداه وغياب كأن على رؤوسهم الطير والصراخ دائما في البرية إذ لا مجيب سوى الرمال والغبار !
لا أحد في هذه المرحلة يفكر عميقاً وجديا بالعاقبة التاريخية لهذا الزوال ولا أحد يريد أن ينتقل إلى فكر وتفكير آخر فالكل مستغرق في أوهامه وهواجسه وخرافاته والكل أصبح يستعذب ويستمرىء الهوان والانطفاء ، ولا نعرف حتى اللحظة مصير هذا الهروب من الحياة والواقع ولا نعرف حتى اللحظة مدى ومصائر الخنوع المتنامي ونزعة التخلي عن الاسم والماهية والعنوان والهوية .
اختل النص وغاب فعلا إلا أننا بارادة مفترضة واضطرارية نستطيع أن نجترح نصوصاُ أخرى .. وتبعثر المتن لكننا نقدر على صياغة سردية استنهاضية أخرى .. وانزاح الهامش إلا أننا يمكن أن نفتتح مساحات ثانية على نص جديد ومغاير فنحن لا يمكن أن نحيا بدون نص ومتن وهامش إذ لا وجود لمجتمعات بلا تاريخ وبلا عقل !!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى