إلى من غيّبتها شواطئ بيروت / منصور ضيف الله

إلى من غيّبتها شواطئ بيروت ، الحاضرة دوما …
لم تغب فكرة الرواية ، بدت كنبت شيطاني ، عنيد وماكر ، يلوح ثم يختبئ في قرار معتم . كنت اتجنب الفكرة ، واهرب منها ، الرواية معركة ، نبدأها بسخاء ، ننبش قبور ابطالنا ، ونزفّ جرحانا ، ونلج عوالم بلا زمن ، واماكن بلا حدود ، نجوز فضاءات ، ونغرق في نهايات ، ثم نستسلم امام فخ النية ، وانعقاد النصر . المسألة هنا تتجاوز حدود الوعي ، احيانا ولسبب غامض ينفتح سداد اللاوعي ، يفيض شلال من صور مشوهة ، ونحتاج طاقة لاعادة التوازن ، ولا سبيل سوى رواية تنبح بلا ذاكرة ، وتلهث خلف طلعها الاول .
اخاف الرواية ، واتجمد امامها ، فهل ستاخذني الى اماكن غريبة ، وهل ستعيد بعث جداتي القديمات ليقلن ما لم يجرؤن على قوله . جدتي ما قبل النكبة تعشق الذئاب ، واجلى لحظاتها اذ يعدو الذئب ، تستحضر المنظر بتفاصيله العميقة ، ولحظات انفعاله ، ثم تغرق في نشوة جارحة ، يهتز جسدها وتبعث قبلة صامتة لأنيابه ، تنهي حكايتها وتشتمني اذ استرق بعض سرها .
اما سر ‘ مرزوق ‘ فيبقى مكشوفا ، مجرد كلب اعتاد ان يكون وفيّا . الوفاء لا يتجزأ ، كالشجاعة والخيانة وفضيحة التاريخ . خَرَجَتْ السيارة العسكرية من الكبّانية ، روسيّتان تتعلقان جانبيها ، شبه عاريتين ، تخرج احداهما المسدس ، وينطلق صوت الكلب مزمجرا ، ينزّ الدم ، وتتعلق انظاره السماء . ظل اسبوعا كاملا امام المحرم ، يشرب القليل ، يحدق في الكبّانية ، ثم يخرج صوتا كأنه العويل . مات مرزوق ، لم يقتله الظمأ ، فاضت روحه وعيناه معلقتان حيث المرأة ، والغدر والثأر .
الرواية الجنوبية زوبعة مبروكة ، يغيب فيها كل شيء ، الكاتب والراوي والقارئ ، يلتبس المعنى ، وتختلط الجمل ، تتلفع الصفحات ببياض حزين ، وتتوشح برائحة الدم ، وارواح الأجداد ، ووعد الله .
اخاف الرواية ، اخاف خيانتها ، وألم فضيحتها ، واعلن غيبتي .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى