أطفالٌ مستنسخون / ميس داغر

أطفالٌ مستنسخون

ترجّل طايل أبو حردبّة، صاحب السموّ والرفعة، من سيارته، وترجلت خلفه السيدة فكيهة وأطفالها الأربعة، المستنسخون من خلية كانت سقطت سهواً من جلدها، أثناء إجازة سياحية في جزر المالديف، وتشكل منها، بقدرة الله، ثلاثة ذكور وفتاة.
ساروا جميعاً باتجاه حديقة الألعاب. وجدوا طاولةً تتسع لهم الستة فجلسوا إليها قليلاً، قبل أن يتركها الأطفال الثلاثة الأكبر سناً ويقفزوا إلى الألعاب المجاورة، لتلحق بهم السيدة فكيهة وعلى حضنها طفلها الرضيع، تعدّل ملابس هذا، وتلبي مطلب تلك، وتساعد الثالث في اعتلاء الأرجوحة، ورابعهم في حضنها يصرخ ويشد ملابسها يريد الرضاعة.
تهيم السيدة فكيهة المتقطعة أوصالها بين أطفالها الأربعة كمجنونة ضلّت الطريق. أمّا السيد طايل أبو حردبة، فيظل سلام الله عليه يراقبهم من بعيد سانداً ظهره إلى المقعد، رافعاً ساقاً فوق الأخرى، نافثاً دخان سجائره المتتالية. ولا يعتقدنّ أحد أنّ للسيد طايل صلة قرابة بالأطفال، فيذمّ تناحته ولامبالاته، ففي الحقيقة، لا علاقة تجمعه بهم، سوى أنه يستظرفهم، ويحب الترفيه عنهم بين الفينة والأخرى.
يطلب السيد طايل غداءً له وللسيدة فكيهة وأطفالها المستنسخين، فيثبت بهذا التصرف السخي كرمه وشهامته، وإلا ما الذي يجبره على هذه التصرفات النبيلة تجاه أطفال مستنسخين من خلية جلد إمهم؟ إنه أساساً لا تربطه بهم أي رابطة، سوى أنه يستضيفهم في بيته، ويقضي معظم ساعات يومه مستجمّاً بينهم، ويعزّهم، والله العظيم والله العظيم، كما يعزّ الوالد أطفاله.
يأتي السفرجي بمائدة الغداء، فتغوص أيادي الأطفال في صحونها، وتحتدم معاركهم في سمائها، فتقوم السيدة فكيهة من مقعدها تلقّم هذا وتسقي تلك، وتمسح البقع عن قميص ثالثهم، ورضيعها يرفع إصبع كفتة في يده يلطّخ به وجهها، قبل أن يستفرغ ما في بطنه فوق ملابسها، فتصير بقذارة الجرذان. ويبقى السيد طايل، المحفوظ بعين الله ورعايته، في مقعده خفيفاً نظيفاً، غير آبهٍ بالحرب المحتدمة حوله، يتمتع بتناول غدائه بهدوء.
ثمّ يتتالى الأطفال الثلاثة إلى الحمّام لشطف أياديهم وأفواههم، تقودهم والدتهم المدلوق القيء فوق ملابسها، فتنهي جولة قتالٍ معهم هناك، وتعود بهم لاهثة والعرق يتصبب فوق جبينها، لتجد الصحون فارغة وهي لم تكمل طعامها، والسيد أبو حردبّة يتأمل أشجار الحديقة الخلابة وينظّف بقايا الطعام من أسنانه بنكاشة صغيرة، قبل أن يشير لها ولأبنائها بأوان العودة إلى البيت، ليقوم مشكوراً بإيصالهم معه.
ولا يغترنّ أحد كون الأطفال الأربعة مسجلين باسم السيد طايل في الأوراق الرسمية، وأنه مُكنّى باسم أكبرهم، وأنّهم الأربعة مجبولون من ماء ظهره، ولهم جميعاً نفس أنفه المدبب وعينيه الضيقتين، وأنه ينام في سرير أمهم، وأنهم ينادونه بابا، وأنّ العالم كله بقاصيه ودانيه يعلمُ أنه والدهم وأنهم أبناؤه! ففي الحقيقة، هو صديق لهؤلاء الأطفال ليس أكثر، فيه ما يكفي من النخوة والشهامة كي ينفق من ماله على هؤلاء المستنسخين من خلية والدتهم، ويستضيفهم في بيته، حتى إنّ الله نفسه لا بدّ وأن يجازيه على إحسانه خير الجزاء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى