أريدُ أنْ أعترفَ لكَ يا مُحمّد

أريدُ أنْ أعترفَ لكَ يا مُحمّد
د. جودت سرسك

أعترفُ لك يا رسولَ الله أنّ رسالتك التي تصدعتْ ضلوعُك حين نزلتْ عليك فانتفضتَ خوفاً وهرعتَ لبيتك مستنجداً بخديجة حبيبة قلبك ورفيقة دربكَ وانسابتْ من شفتيك الكريمتين الرقراقتين أنْ زمّلوني دثّروني فقد ارتجَفَتْ عظامي من عِظَمِ ما نزلَ عليّ من الله الذي لا أعرفه وهُديتُ إليه بفطرتي ووحْي السماء جبريل الذي يجبر خواطر التائهين عن الله الباحثين عنه بصدق وإخلاص ، أعترف لك أنها في أرففِ المكاتب والخزانات الزائفة وأنها أُحرِقتْ في أخدود أصحاب المصالح من بني قريش وأحفادهم . لسانُ حالِنا ومقالنا لا يحِيدُ عن دَرْب أبي جهلٍ وحمّالة الحطب،تملأ بيوتَنا أصنامُ الدنيا وقرابين التشبّث بالحياة ومناصبها وغُنمِ مالِ بيت المسلمين مابين جوائز وهمية ورحلات عملٍ مكذوبة ومهام زائفة ،تملأ بيوتنا يا رسول الله هدايا المناصب ورصيد حسابنا أموالٌ نخجل أن نبوح بها على الملأ.
أعترف لك يا رسولَ الله أنّ بلال بن رباح ما تزالُ ذريّته بيضاً وسوداً تحتَ صخرةِ العبوديّة والخوف من سلطان بني أميّة وشرطتهم ولهيبِ رملهم،وأنّ سُميّة أمّ عمّارتُطعَنُ في عذريّتِها من يد أبي جهلٍ الغادرة ومن يسيرون على دربِه وأنّ صهيباً وخبّاباً وعمّاراً تحبسهم سجونُ هُبَلَ واللات من البحرِ الأزرق الكبير وحتى ديارِ الراهبِ بحيرى .نتفاخر بالأنساب والعصبيّات ويشيخ القبليُّ على الخضيري والمدنيّ على الفلّاح يا رسول الله الذي يتصبب عرقاً ليسقي غراس أرضه ويُطعم عياله ، ويتفاخر الفلّاح على البدويّ الذي يحمل لونك ويلبس عمامتك الضائعة في متحف الأستانة وتأبى الرجوع لأهلها الذين فرّطوا بكتابك وهديك وخطاك.
يا رقيق القلبِ والفؤاد يا رسول الله ،قستْ قلوبنا من بعدك وسرقوا صغار طيورنا وعلا نحيبُنا على كتاكيتنا التي لم ينمُ ريشُها ولا صوتُك يعلو أنْ رُدّوا عليها صغارَها ،من فجعها بصغارِها،فسَمِعتْكَ يا محمّد النبيّ فسكنَ فؤادُها.
ما أشبهنا بطائر اللقلقِ يا رسولَ الله الذي ما أخذنا عنكَ حُبّاً لا بُغضاً سوى وجع الرحيلِ والهجرة والموتِ فقراً ورهانَ درعٍ وكوشانْ. لقالقُنا مهاجرةٌ ما بين كندا وأمريكا ونيوزلندا أرجلها طويلة شامخة تبني أعشاشها عالية في المآذن وخطوط الكهرباء تنشدُ هدوء الروح وغارَ الوحي الذي انقطع من بعدك وتنشد نوراً وإنْ احترقت به،تقف طوابيرَ على إعاشة المهاجرين ويتنمّرُ عليهم ابن أُبيّ بن سلول ويتوعدهم لئن رجع إلى المدينة ليخرجنّ الأعزُ منهم الأذلَ،يميزونهم من لون بشرتهم ولكنتهم الانكليزية الركيكة ولا محمّدٌ فيزجرهم بأنها دعوةٌ منتنة .طيور اللقلق يا رسول الله تتباهى بجمال عيونها الواسعة العربية تنتشر في كلّ القارات، ورغم سموّ أعناقها فهي تعتاش على الضفادع والحشرات كي تستر عورتَها ما بقي من عمرِها الضائع دون صوتٍ ولا رفرفرة جناح.
من بعدك اقتتلنا وكسع المهاجرون الأنصار وسال الدمُ. وما اتعظنا يوم أُقعِدَتْ الأرجلُ ولم تقوَ على الوقوف لخَبرِ موتكَ ورحليلك ،كلّ الأنبياء لهم نصيرٌ إلّا أنت يا رسولَ الله ،قوم عيسى وقوم موسى ولا قومَ لك إلّا في الرسومات واللوحات المعلّقة والموالد الشعبية. تنزلُ عبراتنا على قبرِ ميّتنا ثمّ تجفّ بعيد هنيهات ويأخذنا الحديث عن الرواتب والعلاوات والمناصب والمأثم والمغرم والسفرِ والترفيه والزوجة والولد.
تركنا تعاليم عائشة وخديجة يا رسول الله،نساؤنا تائهات بين مذاقات نكهات الأرجيلة والمزايا والسيارات العالية وأنماط التاتو والجينز المخصّر والمقصّر وموضات الشَعر الرومية وحفلات أبي نوّاس وعود زرياب وإغواء المراهقين.عنواننا المرأة الرجلة يا رسول الله المتشبهة بالرجال، وعنوان تقدّمِنا التحرّر واتفاقية سيداو ونبذ التمييز ضدّ المرأة وحرية قرارِها في زواج واختيار جنس.
أريد أن أعترف لك يا رسول الله أنّ أكثرَ بناتِنا عانساتٌ بلا زوج ،وأنّ نساءنا يفضّلنَ زنا الزوج على أنْ ينهجَ سنّتك بالتعدّد فيتحصّن .وأصدقك القول أنّ صديقي بلغ من العمر خمسين سنة دون زواج فهل يا رسول الله ينشغل قلبُ مثلِه بذكر الله والصلاة عليك وهو خالِ القلب والروح والفراش.
أَعترِفُ لك يا رسول الله أنّ شبابَ أمّتِك الذين تفاخِرُ بهم وبفتوحِهم قد انشغلوا بالبلاطين الممزّقة وما عاد الأبُ ضامناً لهم مِنْ مخدّراتِ وطريق مجونٍ ،صار الأبُ يا رسولَ الله يخشى أنْ يُرسلَ ولدَه لمدرسة تعليمِ الدولةِ حتّى لا يُسبَّ دينُك ولا ربّك الذي نعبُدْ.
يخرج عليكم رجلٌ من أهل الجنة عرفوه ولم نعرفه يا رسول الله، أو عرفناه فأنكرنا فِعله،لا يُكثِر مِن صلاةٍ ولا صدقة ولا شيء فيه إلا ما رأى صحابتُك ،إلّا أنّه لا يحمل حسَداً ولا غشّا.
هم درجاتٌ عند الله ورسولِه ونحنُ درجاتُ عند إبليسَ وجنودِه، يدُنا في يدِ منْ خانوك في خيبر والخندق، ونتوارثُ المناصبَ والألقابَ والدرجاتِ والشهاداتِ، ونتباهى بالعقارات والمزارع. أبوح لك يا رسول الله أنّ رؤساء جامعاتنا ودوائرنا ووزراءنا وأعياننا ومناصبنا بالوراثة لا الكفاءة وأنّ من يتقدّم لرياسة سقيفة بني ساعدة هم من انتهزوا فرصة غيابك وأهلك حين جهّزوك وكفّنوك يا رسول الله.
ابسط يدَكَ يا أبا بكر فنبايعَك قبلَ أنْ يُبايع الرعاعُ ترامب ونتنياهو وأبناءَ اليهوديات .
أصدُقك القولَ يا رسولَ الله أنّ الخديوي إسماعيل قد صَرف أربعةَ ملايين فرنك في فَرنسا في حفلةٍ قد شُكّلتْ لها هيئة مالية لأخذ ماله وكنوزه، وأنّ إيفانكا ترامب الرومية قد أخذت ما تبقى من الخزينة وبيتِ مالِ المسلمينَ والمسيحيين.
نمْ قرير العينِ يا رسول الله ِفقد بشّرتَ بسواري كسرى قبلَ مماتِك ووفّى ابنُ الخطابِ بوعدِك لصاحب السوار،ولكنّي أخجل إنْ بُحتُ لك بأنّ أكثرَ مِن أربعين ألفَ عنصرِ مخابراتٍ فارسي في أرض الرافدين قد انحسر ذهبُ الفرات لهم فأخذوه وأخذوا كلّ أساورهم.
سلامٌ عليك حيّاً وميتاً وسلامٌ على دبّاباتنا وراجماتنا التي لا تقذف لهباً إلّا إعلانا لقدوم رمضان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى