أبو زبانة / وليد معابرة

أبو زبانة …
وليد معابرة

ما أن يُذكر ذلك المصطلح القديم إلا ويخطر ببالك أنك تسمع قصة مخلوق غريب الأطوار، أمضى حياته الطفولية مدللاً بين أهله، يأكل نصيبه وجزءاً من نصيب غيره، يتظاهر بالمرض الشديد من أجل أن يحصل على “قنينة” ميرندا أو “قنينة” جَلّول -اللتين كانتا طموح أيّ طفل- لتجده يشفى تماما بعد حصوله على ما رقد في الفراش من أجله، علماً أن الرشحة كانت تمر عليه مرور الكرام، بل إن جهاز مناعته قوي لدرجة أنه يقاوم أيّة حالة مرضية.

كان يلبس أفخر ثياب بين أخوته، يحصل على أعلى المصروف، تُسَيّرُ أمور المطبخ المنزلي أسوة برأيه، خاصة إذا كان يحب الدجاج المسلوق…، يأكل أفضل قطعة دجاج في المائدة، لا يحب أن يجالس إلا أخواته الإناث وأمه الحنون، يركب دراجته الهوائية “أم ثلاث عجلات” ويتبختر في ساحة المنزل أمام أخوته المحرومين، يأخذ كرة القدم الخاصة به ويهرب بها في حال تم إدخال هدف في مرمى فريقه المكوّن من الحجرين الموضوعين على حافّة أرض القمح المحصودة مؤخراً.

اعتاد “أبو زبانة” على مشاهدة المسلسل المعروض على قناة التلفزيون الأردني قبل أن تأتي لحظة فصل القناتين وعرض برامج القناة الثانية، ينام إلى جانب والدته على فراشٍ مكسوٍ بمادة بلاستيكية مقاومة للتبول الليلي (مشمَّع)، يستيقظ صباحاً ليجلس في (لّقِن) الغسيل حتى تقوم والدته الحنون بتغسيل الجزء المبلول من جسمه وتوزيع ضربات الطبطبة وإبداء الحزن الشديد على ما حدث له أثناء نومه، تسقيه الجرعة اليومية من الحنان ويذهب إلى مائدة الطعام المخصص، حيث كان يحب الجبنة الصفراء المميزة؛ فيأخذ مثلثاً منها ويغلفها بقطعة صغيرة من الخبز ليأكلها دفعة واحدة، وهكذا حتى ينتهي من وجبة الإفطار، فيحمل حقيبته السوداء ذات القفل الذهبي المعبأة بثلاث سندويشات مختلفة ويسير في طريقه نحو المدرسة ويجلس في المقعد الأول ويمد رجليه إلى الأمام، ويظل في تلك الوضعية حتى تنتهي الحصص الثلاث الأولى فيخرج مع الطلاب ليستمتع في ربع الساعة المخصصة لفرصة الطلبة، فيأتي أحد الطلاب الذين كانوا يسيطرون عليه “فيترفّش ببطنه” ويأخذ نصيبه من السندويشات ويتركه يبكي ويصيح دون أن يراعي نسبة الدلال التي تعود عليها من أمه الحنون…، ولكن كمية الخبث التي كان يتمتع بها أكبر من “الكَتلِة” التي تذوقها قبل قليل، حيث أن “الكَتلِة” أضحت مقدمة طلب استرحام جديد يقدمه لوالدته الرءوم ويشعرها بأنه أصبح “مِكْتَلِة” المدرسة؛ طلبا في الحصول على خيارات إضافية من الحنان تسعفه وتساعده على إكمال حياته البائسة.

إن تلك الصفات مجتمعة جعلت منه مخلوقاً ذا كيان هشّ معتادٍ على سلب نصيب الآخرين، سواء أكان ذلك نصيباً شرعياً أم غير شرعي، مما ولّد لديه طاقة حركية تسمى بـ “المهيرينة” وهي طاقة سريعة تقود صاحبها نحو النظر إلى كلِّ ما في يدِ الآخرين، ممزوجة بحب الاستيلاء على تلك الممتلكات بطريقة سهلة المنال.

مرت الأيام والسنون، وكبر “أبو زبانة” وحصل على الشهادة الجامعية الأولى، وصار يمارس حياته الاجتماعية كما اعتاد عليها في طفولته؛ ولكن المشكلة أنه لم يكبر وحده فقط؛ بل كبرت معه “المهيرينة” المختزنة بداخله وحب الاستيلاء على ممتلكات غيره، فضلاً عن شعوره باعتبار نفسه نابغة العصر والزمان وخليفة لـ “أولبرت أينشتاين” وصاحب سلطة قوية تتيح له الفرصة بترشيح نفسه للبرلمان…، ومنها للوزارة، ليتولّى –بعد ذلك- منصباً لصنع القرار.

المشكلة ليست هنا؛ المشكلة تكمن في أن علماء النفس لم يستطيعوا إيجاد حلٍ مناسبٍ لإيقاف فعالية “المهيرينة” الموجودة لديه، والاكتفاء بالصفات القديمة الخاصة بـ “أبو زبانة”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى