” بين نارين ….” / د . محمد سعود شواقفة

” بين نارين ….”

لا اعتقد انه من الضروري ان يكون للشخص رأي في كل قضية …. و أعتقد انه من المهم ادراك ان هناك مصطلحات في لغتنا العربية قد شارفت على الانقراض …. مثلا ” لا أعرف ” …أو ” لا أدري ” أو حتى ” الله أعلم ” …. و حلت محلها كلمات دخيلة ” يمكن ” ” حسب ما سمعت ” أو ” خلليني اوضحللك ”
لا اطالب بعدم ابداء الرأي …. فهذا مخالف لمبادئي و لكن اتمنى ان نتريث قليلا قبل ان نستل اقلامنا و نبدأ تحليلا و تمحيصا قبل ان نكتب او نبدي أي رأي …. لأن الكلمة سيفا مسلطا و قد تؤذي و تقتل و قد تكون مرهما و شفاء ….
يحاول بعض المثقفين ان يوصل افكاره و نظرياته للناس حسب تفكيره و فلسفته الخاصة و لكن كثيرا من الاحيان يقع في خطأ انه يعتبر نفسه في طبقة مفضلة حواريا و انه يمتلك نخبوية خاصة و ان كثير من قرائه يحتاجون لمستوى عقلي مختلف لكي يفهموا ما يرمي اليه …. لا انكر وجود الكثير من الحمقى و الاغبياء و لكن ذلك ليس حصرا في طبقة دون اخرى …. وكلنا يعرف ان الثقافة لا تعني بالضرورة العلم او الشهادة و حتما ليست بديلا عن المهنية و الاخلاق …..
قد يضطر صاحب رأي ان يدافع عن رأيه و لكن ليس مطلوبا محاكمته و تجريمه و ربما الحكم عليه ….. و قد يضطر احيانا ان يجاري بعض المخالفين دون ان يتبنى طرحهم وانتقادهم ليحافظ على قنوات التواصل مفتوحة ….
هناك اساليب عديدة لحوار المخالفين بطريقة مؤدبة ولا تسئ لاحد …. قد تقف برأيك موقف السائل و الباحث عن اجابة و تترك الطرف الآخر ليمنحك رأيه و يوضح لك وجهة نظره …. و بذلك توقف الهجوم السلبي على وجهة نظرك و تتجنب النقاش البيزنطي…. و تشكم اي محاولات لسلوك عدواني فتدخل المحاور الى حالة الدفاع عن وجهة نظره و اقناعك بها…. كثير
ما تنتهي هذه الاستراتيجية بالنجاح النسبي رغم عدم اقتناع المخالف ….. حرب دفاع….

النوع الآخر هو عندما يصطدم اثنان من ادعياء الثقافة النخبوية …. و هنا تكون الحالة اكثر متعة لان لا خاسر في تلك المعركة …. و سيكون فيها خلط للاوراق و جرد حساب و تسجيل مواقف اكثر من مناقشة الرأي المطروح ….على مبدأ تكسير العظام و محاولة تدمير الآخر و بغض النظر ان كان هؤلاء متفقين ام مختلفين …فتلاحظ لغة التثبيت و الافحام سائدة و كأنها صراع من أجل البقاء ….و تختفي من الحوارات اي لغة نبيلة
قد يدلل البعض على التمايز بين من يكتب رأيا ليميز به نفسه …كأن يخالف الناس جميعا في رأي صادم أو مستفز … و هذه شائعة في الكتاب الجدليين الذين يعتمدون على مخالفة العرف و الذوق و احيانا الدين ليلتفت له الناس …. وهذه استراتيجية المفلسين و بالعادة تكون ساحة تدريب لاصحاب الرأي الحر لممارسة كتابة اكثر صرامة و يتم فيها كثير من التجاوز للخطوط الادبية الفاظا و احيانا افكارا ….و في العادة هذا يكون هدف لمثل هؤلاء … فهم لا ينتظرون تغذية راجعة …بل يسعدهم ان يرد عليهم المخالفين ….
ولا يجب ان يغرنا ان بعض الاغبياء و الحمقى قد يحالفهم الحظ في أغلب مجالات الحياة و هذه ليست خاصة بمجتمع بعينه و لم تفلح محاولاتي لتفسير لماذا تتناقض سلوكيات الافراد مع واقعهم المزري …. فتجده سعيدا في مواقف الحزن ….و معارضا لكلما يراه الآخرين صحيحا ….
هل بات المثقف صاحب الرأي حالة شاذة تبحث عن شخصية وهمية تختلف عنه تماما ليدخل لعقول و قلوب البسطاء بأن يصنع لهم الفرح و السرور كالمهرج…. بينما ثلة الاغبياء تواصل عرضها الهزلي و تضحك على الجميع ….
حدثني صديق ان والده كان يستمع لحديث اخيه مهندس الكومبيوتر مع صديقه بخصوص شراء جهاز جديد و راح الاثنان يسهبان بالنقاش و الاسئلة عن المواصفات و السعة و السرعة و طبعا بمصطلحات تقنية بحته …. و هو جالس يراقب و لا يستطيع المشاركة …. لكن صبر الوالد نفد كونه لا يدرك ماهية الحوار و لكنه يدرك اهميته …. فتدخل بعنف : ” ترا كلهم نصابين …. اوعى يضحكوا عليكو”

“دبوس على حرية الرأي ”

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى