متى يعلنون وفاة الديمقراطية ؟ / سلمان إسماعيل

متى يعلنون وفاة الديمقراطية ؟

في وطننا العربي، هناك بعض المصطلحات التي نسمعها بكثرة لكننا لا نرى أي تطبيق فعلي لها على الأرض، نسمع منذ مراحلنا الأولى في التعليم الابتدائي والثانوي عن قيم المواطنة وقبول الآخر، ولكن بلادنا ترزح تحت أمراض الكراهية ونبذ الآخر بدلًا من نبذ التطرف. زرعوا فينا حب الأوطان، لكنهم لم يعلمونا أن الوطنية هي طاعة ولي الأمر، حتى إن جلد الظهر وأخذ المال!

تفتقر بلادنا لأدنى معدلات الحرية، اللهم إلا القليل من الأقطار التي تصالحت مع نفسها، وأدركت حكوماتها مبكرًا أن التضييق على الحريات سيولد أجيالًا من الإرهابيين الذين يكفرون بالأوطان وشعارات الإنسانية، الحكومات أيضًا تعادي الحريات العامة وعلى رأسها حرية الرأي والتعبير، يتشدق الحُكام في عالمنا العربي بالإنجازات على سبيل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية التي تُكلف الدولة مبالغ كبيرة، فيما تبقى معاداة الحقوق المدنية والسياسية هي السمة الغالبة على سياساتها، على رغم كون الأخيرة لا تستوجب مخصصات في الموازنة العامة، ولا تؤدي إلا لـ«كل خير» من سلام اجتماعي وتداول سلمي للسلطة.

وفي مصر، تشهد البلاد حشدًا غير مسبوق لحث الناس على المشاركة في الحياة السياسية، لكن في الإطار الذي تحدده الحكومة، ووفق ما تقتضيه مصلحتها العليا، فالشعار الغالب الذي طاف البلاد خلال الشهرين الفائتين هو «اعمل الصح»؛ أي كن حريصًا على حقك في المشاركة السياسية، واذهب إلى لجان التصويت على التعديلات الدستورية وقل «نعم».

اللافت أن فلول وبقايا ونفايات الحزب الوطني المنحل، الذي أسقط المصريون حكمه للبلاد في ثورة 25 يناير، تتم إعادة تدويرهم لتصدر المشهد من جديد، وكأن دماء الثوار قد ذهبت سدى، أو كأن الصف الثالث من الكفاءات في الحزب هم من قاموا بالثورة ليحلوا محل سادتهم!

مشهد آخر يبعث على الغثيان، وهو استغلال الفقر الشديد الذي ضرب قطاعًا عريضًا من المصريين على خلفية برنامج «الإصلاح» ! الاقتصادي الذي فرضه صندوق النقد الدولي على الحكومة، والتي طبقته دون النظر لمعاناة السواد الأعظم من المواطنين.. فأصبحت كرتونة المواد الغذائية هي كلمة السر، المُضحك أن من يقوم بالمهمة هو الحزب المُعاد تدويره من نفايات «الوطني المنحل».

الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي أطاحت به الثورة كان رئيسًا للحزب، وكنا نتفهم دعم قواعد الحزب له، أما الرئيس الحالي فمستقل، ومن غير المفهوم كيف يقوم حزب سياسي يسعى للوصول إلى السلطة بدعم السلطة التنفيذية لهذا الحد الذي يعصف بنظريات علم السياسة.

أما المُعارضة، فقد انقسمت إلى فريقين، الأول يرى ما يحدث محض مسرحية، وأن المُقاطعة هي التصرف الأمثل، والثاني يرى أن العملية برمتها سيتم تزويرها، لكنهم حرصوا على المشاركة وإبداء رفضهم للتعديلات التي تفتح الباب لبقاء الرئيس الحالي في منصبه حتى العام 2030، فضلًا عن إمكانية تعديل الدستور مرة أخرى قبل هذا التاريخ والسماح بـ«مدد مفتوحة» ليعيد التاريخ نفسه، ولتتأكد المقولة التي يرددها البسطاء على المقاهي الشعبية، أن الزعيم العربي لا يرحل إلا بالثورة أو الموت. فمتى يعلنون وفاة الديمقراطية التي صدعونا بها لعقود.
salman.mohamed67@yahoo.com

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى