حان وقت خروج الرصاصة من الفوهة / أشرف الجمّال

حان وقت خروج الرصاصة من الفوهة

عندما علمني والدي على الرماية ، قال لي أن هناك قواعد رئيسية يجب عليك اتباعها عند التصويب بسلاحك ، عليك أولا أن تمسك سلاحك بإتقان وبالوضعية الصحيحة للرماية .. فعند إمساك البندقية أو المسدس بالشكل الصحيح تكون فرصتك أعلى بإصابة الهدف الذي تريد .

وبعد محاولات عديدة ، وبالتكرار الذي تعلمت من خلاله في كل محاولة شيئا جديدا أصبحت أتقن ذلك وتفوقت على أخي بذلك .. وكان سبب تفوقي أنني عرفت أنه كلما كان التركيز على الهدف دقيقا وهو أهم عامل .. وكلما ضاق اتساع فوهة السلاح وزاد طولها كلما كانت الرصاصة أسرع وأدق ، ومنذ ذلك الحين وأنا ماهر بذلك ولم اتأثر بفشل غيري ممن حاولوا لأن عنصر التركيز والتفكير كان سر نجاحي في كل مرة دون أن اتأثر بمحيطي في ساحة الرماية ..

بشهادة الحكومة و النواب و الشعب يتفق الجميع على أن الدولة الأردنية تواجه أزمة إقتصادية حقيقية تزداد حدتها يوما بعد يوم وستستمر إذا استمرت المصروفات والهدر المالي على النحو الذي كان ومازال من دون تغير ! إن متخذ القرار الإقتصادي لم يتعلم على مدى السنوات الماضية أن تحديد الهدف والتركيز عليه هو من أهم عوامل إصابة الهدف ! ما زالت كل حكومة تأتي ترمي ما تم التخطيط له من الحكومات السابقة وتقوم بإصدار قرارات وبناء خطط جديدة للخروج من الأزمة المالية التي لازمت كل الحكومات المتعاقبة وما زالت تكبر وتعظم !!! لتفقد بذلك تركيز متخذ القرار لحل المشكلة ، أو لإكمال ما تم العمل عليه ممن سبقه !!

إن التركيز على الهدف والذي نتفق عليه جميعا وهو الخروج من هذه الأزمة ، إنه لأهم عامل من عوامل نجاحنا وخروجنا من هذه الأزمة الحقيقة .. أما تأجيل المشكلة أو حلها حلا آنيا أو تحميل جزء كبير من الحل الغير جذري أصلا على جيب المواطن لن يزيد المشكلة إلا تعقيدا ، فالعبء الضريبي أصبح مرتفعا والإيرادات المحلية وصلت إلى معدلات عالية والتي مصدرها جيوب المواطنين فقط !! مما أسهم في ارتفاع معدلات الفقر عن السنوات الماضية ، وكل ذلك أدى إلى تراجع في النمو الإقتصادي .

إن الأردن يمر بمخاطر إقتصادية غير مسبوقة ، إذا لم يكن كلها فإن معظمها كان بسبب سوء التخطيط والتركيز على وضع أهداف واقعية عملية حقيقية وليست أحلام وردية للخروج من هذه الأزمة التي إذا استمرت على ما هي عليه فإن الإقتصاد مهدد بالعودة إلى أزمة عام ١٩٨٩ ! والذي لا يرجوه أحد عاقل يعيش على الأرض الأردنية ..

إن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لم يتمكنا من تقديم أي علاج حقيقي للإقتصاد الأردني ، بل على العكس فإن الديون تتراكم وتتراكم و عداد فوائد الديون لن يتوقف أبدا !! معظم شروط الإلتزام بالوفاء التي وضعت لم تنظر إلا إلى جيوب المواطنين التي لم تعد تحتمل بكل ما لهذه الكلمة من معنى ..

لقد اختار متخذ القرار وصفة البنك الدولي لعلاج المشكلة الإقتصادية التي نمر بها بالاقتراض ، تلك الوصفة الغالية الثمن والتي كان بإمكانه الاستغناء عنها بالوصفة الأردنية الوطنية بشد الحزام على الجميع والنظر في الكثير من أوجه الإنفاق التي بها الكثير والكثير من التبذير ..

رواتب وتقاعدات وبدلات وسيارات و عطاءات وسوء تنسيق وسوء إدارة للمال وسرقات و و و و الكثير الكثير من التجاوزات التي ملأت تقرير ديوان المحاسبة بمئات الصفحات !!

الأزمة التي نمر بها الآن مثل أي مريض يتأخر في العلاج ، فإن عليه أن يقبل جرعات دواء شديدة المرارة ، ستترك من دون شك أعراضا جانبية ، وخطيرة أحيانا .. ونحن موافقون على ذلك لكن بشرط ، أن نحدد أهدافنا أولا ونقوم بوضع الخطة الوطنية الحقيقية وأن لا نفقد التركيز على أهدافنا تلك حتى نستطيع إصابة الهدف باحترافية وسرعة .

إن الحل الجذري يشبه إلى حد كبير تلك الرصاصة التي تخرج من فوهة البندقية ، فقد طالت الفوهة كثيرا وأصبحت ضيقة لدرجة كبيرة وأعتقد أنها مناسبة جدا الآن لخروجها وإصابة هدفها بسرعة ودقة ..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى