وتستمر الحياة / أشرف الجّمال

وتستمر الحياة

” كركبة ” في ممرات المستشفى ، سيارات سوداء وشباب مفتولي العضلات بنظارات “ريبان ” هنا وهناك ! وفجأة تعلو الزغاريد في المكان بعد أن تخرج الممرضة مبشّرة بالمولود الجديد والذي قرر والده صاحب المعالي تسميته ” عبيد ” ..

تخرج أم عبيد والحمد لله من غرفة العمليات إلى غرفتها لتستريح في غرفتها التي ملأ الممر الطويل من أوله إلى آخره ( باب الغرفة ) بأكاليل الورود و ” البلالين ” مع كروت صغيرة كتب عليه أسماء الذين أرسلوها تسحيجاً واحتفالاً بقدوم عبيد !

تمر الأيام والأيام و ” عبيد ” يكبر ويتعلم في كنف والداه في قصرهم وبين الخدم والحشم ، إلى أن يصبح مستعدا لدخول المدرسة .. فيقوم معالي أبو عبيد بتسجيله في أحد المدارس الداخلية المرتفعة التكاليف ، ويبدأ ” عبيد ” مشوار التعلم وإنشاء علاقات و صداقات مع زملائه وزميلاته أبناء أصحاب المعالي والعطوفة والتي ممكن أن تتطور لتصل إلى الأهالي بعد لقاء لعيد ميلاد فلان ابن معالي فلان أو فلانه ابنة عطوفة فلان .. حيث ستكون من الآن العلاقات الجديدة بين الأهالي ليست بريئة وطفولية كما علاقة أبناءهم ببعض ، فكثير من العطاءات و الصفقات ستوقّع ” كرمال ” فلان وعلّان !! أو ” لسواد عيون ” فلانة !!

مقالات ذات صلة

عبيد الآن وبعد أن أنهى المرحلة الثانوية بمعدل متوسط ، يستعد الآن للإلتحاق بإحدى الجامعات المرموقة في إحدى الدول الغربية لدراسة الهندسة ! حيث طلب ” عبيد ” وألح كثيرا على بقاءه هنا والدراسة في جامعة محلية ، إلا أن والده رفض قائلا له : ( دفعت عليك بلاوي بالمدارس عشان تيجي بالآخر تدرس بجامعة محلية !! )

وفعلا وبعد سبع سنوات ونصف يعود ” المهندس عبيد ” بشهادة البكالوريوس في الهندسة من تلك الجامعة المرموقة ، وتقام الإحتفالات فرحاً بهذا الإنجاز ..

” عبيد ” وكأي مواطن أمامه الآن مهمة صعبة يعاني منها جميع الشباب وهي البحث عن الوظيفة المناسبة التي تلبي احتياجاته وليبني مستقبله !!! لكن والده قد ” دبّر ” الموضوع سابقاً وجاء ” لعبيد ” بعقد توظيف بكذا ألف دينار في إحدى الشركات المحلية !! وما هي إلا فترة قصيرة حتى ” يوخذ خبرة ” لينطلق بعدها ” عبيد ” إلى المستقبل بعد أن ” فهم اللعبة ” واسترجع شريط حياته شاكراً لوالده على ما فعله له …

كأي شاب ” عبيد ” تقدم للزواج من صاحبة الصون والعفاف ابنة عطوفة فلان التي هي حفيدة معالي فلان ، وبعد أن يتم الزواج بفترة يصدر كتاب بتعيين ” عطوفة عبيد ” في وظيفة ( عطوفيّة ) وفرحاً بهذا الخبر الذي أسعده يقرر تسمية ابنه الذي سيولد قريباً ” سعيد ” .. سعيد الذي سيعيش نفس السيناريو الذي عاشه والده على يد جده !!

ّوتستمر الحياة ، وتشرق شمس يوم جديد مليئة بأصوات ” زوامير ” السيارات وحافلات النقل ، والناس ذاهب كل واحد منهم إلى عمله شارداً مهموماً على وطن بحاجة إلى قدراتهم وخبراتهم لكن دون تحقيق أحلامهم بالوطن ولا أحلام الوطن بهم ..

وتستمر الحياة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى