العبث بجهاز المناعة / عبدالرحمن الدويري

العبث بجهاز المناعة
****
بات الأردن للأسف منفعلا للحدث الإقليمي وليس فاعلا فيه، في زمن أصبح فيه الكانزون لمال الأمة يشترون به كل بخس، ويجرّونها به لكل نحس، ونظنه سيخسر مع الخاسرين إن استمر بنهجه هذا، ولا نحب له الخسارة، لأنه حين يخسر الوطن، لا يمكن لأحد أن يكون رابحا.
نريده بشعبه أن يكون فاعلا لا منفعلا، مهما كانت إمكاناته – وإن كان الفاسدون يوهمونه أنه فقير- فحين تشابك النظام مع شعبه، وحشدت له الحركة الإسلامية والأحزاب نخبة الشعب لمواجهة المؤامرة الكبرى على العراق عام ١٩٩٠م كان له قراره الكبير .. حين ملك زمام أمره، وحقق سيادته على قراره، فرفض التدخل الدولي العسكري ضد العراق، مصادما -حينها- إرادة العالم، فاصاب كبد الحقيقة، وحق له أن يفخر دوما بموقفه هذا بعدما قامت الدلائل على صحته المطلقة منذ ٢٨ عاما.
لكنه اليوم يسير تخت ضغوط إقليمية متساوقة وإرادة بعض دول الخليج المنقسم على ذاته، مجازفا بعضه في طريق السيسي، فيجر المجتمع الأردني لنفق الانفصام في الوضع الداخلي لا قدر الله في ظل اختلالات البنى المجتمعية وتهتكها لأسباب لا تخفى على ناظر.
المشهد المصري الخليجي على كف عفريت، ويقف على عتبة انفجارات عاتية، فلماذا يغامر الأردن إذن، إذ لا يعنيه هوس هؤلاء ولا مخاوفهم الناتجة من عقم نهجهم وسياساتهم الخاصة ببلادهم داخليا وخارجيا؟!
حين يتجاوز راعي القانون القانون، فماذا ينتظر من الآخرين؟! وماذا يتوقع!!
ألا يدرك ميكانيكيات العقل الاجتماعي؟! والأثر الباطني العميق، والارتدادات المجتمعية لمثل هكذا سلوك؟!
العبث الذي يطال جماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي لن يجدي شيئا، ولن يأتي بطائل، ذلك أنه يُصر على أن يدخل معركة إدارية وسياسية -خارج إطار القانون- بمواجهة حالة فكرية عقائدية أثبتت التجربة أنها وطنية غيورة صادقة مخلصة بامتياز ذات حاضنه واسعة وممتدة في ربوع ديار الإسلام العالم، حتى صارت مذهبا في الفكر والفهم، وأنها لا يمكن أن تُدفن في تابوت أو تُحبس في قفص، وهي غير قابلة للموت بالمطلق، بدليل السياق التاريخي لها منذ ١٩٢٨م وبحكم ارتباطها بعقيدة الأمة، وتعبيرها عن حالتها الوجدانية، وعن حقيقة المواجهة التي تشهدها مع أعدائها التاريخيين، وتتنفسها أجيالها مع الهواء!
الجمعية التي رعاها النظام، ويراهن عليها، وأنشأها خارج سياق القانون، لنفر قليل لا يكاد يذكر من المنشقين، فقدوا رصيدهم من كل شيء في علاقتهم مع الجماعة، فهذه المراهنة مراهنة على وهَمٌ وسراب، والوهم لا يُبنَى عليه قرار، وإلا فهو خيار استراتيجي، لكن فوق رمال متحركة، لا يحفظ ماء ولا ينتج كلأ!!
لم يعد الأمر متعلقا بفصيل سياسي توجد رغبة لدى قصيري النظر في النظام بالثأر منه، بلا جريرة، ولأسباب غير معلومة، بل الأمر متعلق بمناعة وطن في بيئة عربية سياسية حمقاء، فقدت عقلها، فاجتهد بعض نظمها بتدمير أجهزتها المناعية، وتبديد عوامل قوتها واستقلالها وسيادتها، وأعظمها على الإطلاق طبيعة علاقتها بتاريخها وهويتها وعقيدتها، وقضاياها العادلة، ومكوناته الاجتماعية بكل تلاوينها.
أ. عبدالرحمن_الدويري
24/9/2017م
a_dooory@yahoo.com

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى