فلنشحذ نصال الروح ولنشرّع قلوبنا للحياة؛ فنكون نحن …
سناء جبر
نعيش حياة متسارعة الأحداث، نركض دون توقف ونلهث بغية الوصول ، وقد نصل للهدف المنشود وقد لا نصل. وهنا ، نستخدم (قد) للتشكيك وعدم التحقق والتثبت من إمكانية تحقق الأمور. فلماذا يصل البعض ويحققون ما يرغبون به ، والبعض الآخر الذين يكملون الدائرة لا يصلون. إجابة هذا السؤال مفتوحة على غاربها وصراعيها. فلكل منا وضعه الخاص ومجال عمله الذي اختاره أو فرض عليه تبعا لإمكانياته وظروفه، ومحيطه الذي يلتف حوله كالنطاق ،فيكون إما ميسرًا أو معسرًا لتحقيق ما يريد ، برغبة منهم أو بحتمية مقدرة، لا فرق، فنحن نتحدث عن تأثير المحيط الداعم للتقدم إلى الأمام، والمحيط الذي يسحبك آلافا من الآمتار خلفا ويبعث فيك الانهزامية والتشاؤم ويقعدك عن تحقيق حلمك وغايتك. هذا فضلًا عن الاستعداد النفسي لصاحب العلاقة وجأشه وجسارة قلبه وإقباله على العمل والتقدم والإصرار والعزم والهمة المتّقدة التي تجعل من صاحبها شعلة له ولمن حوله يستمدون منه عزمًا لا يلين، وما يقابل هذه القوة من شخصية غير مسؤولة، اتّكالية ، تنتظر التغيير والتحسن في ظروفها دون بذل أو سعي في سبيل ذلك ، معتقدًا أن السماء تمطر ذهبًا وفضة وما عليه إلا الانتظار لجني الثمار المنتظرة، وسيبقى ينتظر… لكن في هذه العجالة من طرح الأفكار على قارعة الطريق، يطرح السؤال نفسه: كيف يمكن للواحد منا تجاوز محيطه السلبي ودعم أفكاره بطاقة إيجابية محفزة تتقدم به إلى الأمام بقوة وصلابة وشراسة، تمده بطاقة جبارة تشحذ عينيه الذابلتين وتعطيه قلبًا من حديد يواجه به صعوبات الحياة وضغوطاتها.
نعم، تبرز هذه المشكلة عند أغلبنا إن لم يكن جميعنا، نجد أنفسنا محاطين بثلة من الأشخاص ، تعلو وجوههم البشاشة ويظهرون لك طيب المعشر، ويتطوعون بتقديم نصائحهم فيما تستشيرهم من أمور الحياة، مؤكدين دومًا بأن كل ما يدلون به أثبت نجاعته وكفاءته لأنهم يريدون مصلحتك ويحبون الخير لك، وتأتمر بأمرهم وتستمع لنصحهم مرة تلو أخرى، ليجد اليأس والقنوط طريقه إليك مذللا سهلا ، وتبيت فريسة للانهزامية وانعدام الطموح والدافعية، وتسأل نفسك : ما الذي يحدث ؟ لم أكن هذا الشخص؟ فكيف صرت على شاكلته وألت إليه؟ وتغرق في ضباب من الأفكار تلوث عقلك ونتشتت تفكيرك ، لتصل في النهاية إلى جواب واحد، هم أولئك الرفاق من بثوا فيك سموم القلق والخوف والارتياب، لكن: ما السبب ؟ إنهم يحبونني ويريدون لي الخير اليوم وغدًا وكل يوم حتى آخر دقيقة من العمر.
يهيأ لك يا صديقي… هي كذبة صدقتها وبنيت عليها آمالًا من أحلام، وبت تتصرف على هواها انسجامًا مع معتقدك وطريقة تفكرك – الخاطئة للأسف – فليسوا إلا أشخاصًا كارهين امتلأت قلوبهم حسدًا وغيرةً وحقدًا عليك ، كل ما يسوؤهم أن يروك متقدمًا عليهم تسبقهم بخطوات ، أمنيتهم أن تكون متأخرًا عنهم دومًا، ما أكثرهم من يطلقون سهام الغدر والبغضاء والضغينة من الخلف ، ولا تنسوا الفتنة التي هي شرّ من تلك الأفعال جميعها.. وتظن في داخلك وقرارة نفسك أنه الصديق المقرب الوفي، وتعطيه كل ما هو لك ، تستفتيه وتستشيره في كل شؤون حياتك ، فتصبح ملكه دون شعور منك، وتشعر بأنك غير قادر على العيش بعيدًا عنه بمعزل من استدعاء أفكاره وضرورة استشارته في كل كبيرة وصغيرة، تفكرمعه بصوت عالٍ وتطلب استشارته في أكثر القرارات خصوصية ومصيرية لحياتك، وأنت تخاله ذلك الصديق الصدوق الذي تحدثوا عنه في الأمثال وتغنوا بأخلاقياته وسلوكاته في الشعر، ولا يكون إلا ذلك الثعلب الماكر القناّص الذي يقتنص الفرص ليعلن هزيمتك ويستثمر كل لحظة وموقف من شأنه أن يستغل ضعفك وانهزاميتك فقد أضحيت ملكه يوجهك كيفما يشاء هو لا كما تقتضي مصالحك ورغباتك، وتكون ذلك الأبله الذي ينفذ دونما تفكير أو حساب أو حتى رأي ، فيكون الابتزاز العاطفي أولا والمادي ثانيًا والهزيمة الروحية ثالثا وأخيرًا، وتصحو على الموقف متأخرًا، ولا تكون اليقظة غلا بعد فوات الأوان … شيء ما يحدثك ويناديك أن استفق وتيقظ، تنبه وكفاك غفلة… تدور الساعة بطيئة تحتضر تثير فيك السأم، وتبعث فيك قلقًا، ويتسارع نبضك خوفًا مما سيحصل، إلى أن عقارب تلك الساعة تنبهك أن تفكر وتدبر والحذر الحذر … انظر حواليك وافتح قلبك قبل عينيك… وأعمل عقلك…وكن الفاعل… وقد نفسك ولا تكن مَقودًا ، سيّدا لا مَسودًا ، واثق الخطوة لا مترددًا، كن ربّان سفينتك ولا تكن إمعة يسمع ويطيع دونما عقل يدرك … قد تحتاج وقتا ليس قصيرًا أبدا لفهم ما يحدث، إذ كنت نسرًا اعتاد تناول الجيف . نعم، فبتّ جيفة بلا روح ، وعليك أن تنهض وتخلع عنك ريش الضعف والكسل وتحلق صقرًا في السماء عاليا.
قد تنجح وتنجو سريعًا، وقد يكتب لك النجاح بعد وقت طويل من استنزاف القلب والروح وذرف الدموع والنحيب، وقد لا تنجح فتبقى حبيس آلامك وتعلقك العاطفي به ، وتظل فريسة خيباتك التي لا عد لها ولا حصرولا انتهاء.
ما أصعب الخيبات ! ما أشد الخذلان إيلامًا! أن تصدق قلبك وحدسك أم عينيك وعقلك؟ أن تقنع نفسك بأن كل ما يحدث هو حقيقة لا مهرب منها وعليك مواجهتها وحدك ، وواجبك الآن أن تثبت جدارتك واستحقاقك للحياة ، أن تفيق من غفلتك وتخلع عنك ثياب الضعف والهزيمة والانكسار، تجرد نفسك من ثياب الحداد على صداقات مزيفة وترتدي ثوب الجد والشجاعة لتثبت لنفسك قبل الآخرين أنك كنت وما زلت وستبقى الأفضل؛ لأنك مؤمن بذاتك، ومهما فعلوا فلن يستطيعوا كسر عودك ولا إحناء ظهرك . نعم… نعم… ذرّالرّماد في عيونهم أحق وأوجب، وليخسؤوا بكذبهم وخداعهم وسوء صنيعهم، سقطت الأقنعة ولا مفرّ من المواجهة، فلتكن أنت أنت…