شُجونْ وَسُجونْ

شُجونْ وَسُجونْ
د. جودت سرسك

تُعتَبرُ ألواحُ موسى مناراً للمتأمل في سيرة النبيّ اللاجيء المقهور طِفلاً وشَيخاً ودراسةً اجتماعية لأثرِ البيئة على النفسِ وانفعالاتها ،حرمانُ الأمومةِ وجفافُ شَفَتيِّ موسى عن المراضع ونشأته في بيت سُلطةٍ وتجَبُّر وشكّ، جعله يحترقُ بلهيب جَمر القصور وبرْدِ اليَمَّ ،موسى الشابُ الأسمرُ البشرةِ الحَييّ النفسِ يلقي الألواح فيكسرها ،سريعُ الغضبة والانفعال ،يأخذ بلحيةِ أخيه ويَشدّه ويُعنِفه على فعلةِ بني إسرائيل مِن بعدِه ،وأنّهم استبدلوا اللهَ وصوتَ الألواحِ المقدّسة بعجْلٍ له خُوار.فوكزه موسى فقضى على غفلته ورِقّته إذ لا تنفعُ رِقّة في رِدّةٍ ولا لينٌ في ثورةٍ على أصنام الوثنية.
تكرّر ألواحُ موسى وحْيَها وصوتَ تكسّرِها في كلّ زمن ،حيث يُستبدل الهادي بالفادي والوحيُ بخوارِ الترفيه ويصدح الشيطانُ ويُحبَس الإنسان .إنّ الأمّة الحيّة هي التي تعتز بتاريخها ورجالاتها وتحفظ للتاريخ ودّاً ولا تلقي به وراء ظهرانيها ،لقد بغى فرعونُ على موسى وبغى كسرى على النعمان بن منذر لاعتزازه بعروبته وسيادة الجنس العربي فقضى عليه ،وصرخ صدّام ملكُ العربِ وسيّد رجالاتها وتعهّد بشواربه المطهّرة كألواح موسى بالدفاع عن القدس ودعا الغساسنة والمناذرة والقيسيين والهنديين وكلَّ ملوكِ الطوائفِ وعبّادَ الدولار والدينار والعرش والقنطار للكفّ عن مصافحة من رسموا صفقة القرن بأقلام نجاستهم وعمالتهم.في ذكراك يا أبا عديّ وذكرى كلّ ثائرٍ وفي ذكرى فلسطينَ وكلّ قضية حرّة تهتز شواربُنا ونعيد نفض الغبار عن ألواح موسى ونستذكر مَنْ حبَسهُم فرعونُ في سجنِه وقيّد أيديهم وألقى لهم الطعامَ كي يسعوا إليه بأسنانهم فيروّضَهم كما ينصُّ قانون ترويضِ النمورِ في اليوم العاشر إذ تستحيل من الجوع إلى هِرَرةٍ مُنكَسرة.
تُوجِعُنا العبوديّة يا أسياد القوم في أيام العيد وتصرخ علينا ألواحُ الكرامة المكسّرة أنْ كُفّوا سحَرَتكم وجلّاديكم وأقفالكم عن أفواه أنبياءِ الأرض وظلّ الله فيها ،مَللْنا أسواقَ العبيد وأسرَ حروبكم ،لن تذلّ لفرعونكم رقابُنا ولن نغيّر جلدَ رِقّنا الأسود كي ترضوا عنّا ولن تعيبنا ألقابُكم فنحن الهُجَناء وأنتم أبو جهل ،ونحن غِربانُ العُرْبِ وأنتم نسورها فكفّوا قيدَكم عن معاصمنا.
إنّ العروبة تستجدي مروءتكم أنْ كُفّوا عن رقّنا وحرّروا فينا كلمات الله ونبوءة موسى وإلّا استبدلكم ربّه بقومٍ نفطُهم خيرٌ من نفطِكم ونُطَفهم أطهرُ مِن نُطفِكُم.
تُهدي خاتمَها المُصْفرَّ مِن تَعبِ الحقولِ وشَقوةِ أطفالِها وتُقدّمُه في رسالةٍ لرئيس دولتِها فَيَصِلُه صدقُ كلماتِها فيستظلّ في كرومِ عِزّتِها وكَرمِها ولا تصدّق أنّها تكلّم الرئيس الذي بذَل نفسَه لشَعبِه فبذلوا أرواحَهم له ،يا لخطيئتنا وجبروتِنا ونحنُ نُحطّم سكك قطارهم الممتدّ من مُدِنِنا البائسة إلى مدينة الرسول المبروكة طابة وطيبة ،مَن لقّنَنا أنْ نكسِرَ ألواحَهم ونمشي في سِكَكِ عِجْلِ الخطيئة إكراماً وعبوديّةً لِلورنْسِ الزنيمِ وسَحَرةِ كلوب باشا.
إنّ الأمرَ ليس مقصوراً على الخبزِ والطعام بلْ يتعدّى إلى حاجة الاعترافِ بالمواطنِ وحِفظ ِحقوقِه ومصالحِه والتعبيرِ عن شعوره وتطلّعاته. لقد عبّرَ صاحبُ المظْلمةِ في القرن العشرين وأهمُّ دعاتِها عنْ فكرةِ (وإذا حكمتُم بين الناسِ أنْ تحكُموا بالعدل )،فخطّ كلماتِ التحرّر بيديه فقطّعوا براجمَها وقطّعوا وصالَه بأمتِه وأهلِه ولم يراعوا شيبتَه، اللهمّ ولِيَديْه فاغفرْ ولأيدي سجّانيهم فغُلّها.
يتغنّون بكوميديا الحمّاماتِ والسراويلِ ويَصيغونَ لحنَ خُوارِهم في كباريهاتِ العَمّ سام وأبناء إسرائيلَ الضالين ،ويضعونَ موسى في سجنِ ضلالهم، اللهمّ بحقّ من حججتُ له وزرتُ وقدّسْتُ له وخَلّلتُ ، ألّا تُنزلَ عليهم رحْمَتك فإنّا قد دعوناهم ليلا ونهارا فلم تزدهم عروبتُنا وكرامتنا إلّافرارا،فأرسل عليهم ريحاً صرصراً وطيرا أبابيلَ وأغرقْهم وهييءْ لنا ودوابّنا سفينةَ نوحٍ أخرى، فقد وضع رعاتُنا أصابعَهم في آذانِهم عن هديك وقدسِك ومسرى رسولك واستغشوا عُرِيَهم وأصرّوا على فُجرِهم وقنْصِ أرواح أحْرارِنا وزجِّهم في السجون.فليس لها من دون الله كاشفةٌ وإنْ طال الزمانُ ولن نستكينَ لسطوتِهم وستبزغ خيوطُ الشمسِ ونرقبُ نصرَها حتّى حين وعتّى عِين.
J_sh_s@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى