شعوبنا العربية بحاجة لحاضنات تواجه التحديات غير النمطية
فؤاد البطاينة
بالمنطق ، بمقدمته ونتيجته ، لا مصداقية لحاكم لم ينتخبه شعبه . ومن ليست شرعيته من شعبه فشرعيته لا تكون إلا من عدو شعبه أو من متضمن لحماية سلطته ، وفي كلا الحالتين يكون الثمن هو الوطن بشعبه وبما حمل . والحكام العرب كلهم كذلك . فوالله لو دخل جيش أحدهم فلسطين افتراضا خاطئا ،وكان على وشك تحريرها وتعرض كرسي حكمه في تلك اللحظة لخطر ما لأمر جيشه بالعودة على جناح السرعة لحمايته. حكامنا مغتصبوا سلطة ، يحكمون بشهادة ميلاد أو بعصابة عسكر أو عصابة من ساسة حزب أو بتواطؤ مع العدو. ومن يغتصب السلطة ومعها الدولة بشعبها هو غاصب بالفطره ، ولا يرى ضيرا في اغتصاب الصهيونية لفلسطين .*
هؤلاء الحكام يجسدون مرحله تاريخيه انتهت في أوروبا بسلبياتها نتيجة التطور الفكري والاجتماعي والسياسي وبروز مفاهيم الحرية والعدل وسلطة الشعوب . مرحلة انتهت نهاية سعيدة نتيجة صراع طبيعته كانت صحيحة وهدفه حقيقي بين الملوك الطفاة وشعوبهم . وسُحق بمحصلته بعض هؤلاء الطغاة بثورات شعبية وأستسلم أخرون بحكمتهم لينجون بأنفسهم ..فطبيعة ذلك الصراع البيني كانت منصبة على نهج هؤلاء الحكام وليس على سلبياته ونتائجه كما في حالتنا ، فهذا النهج مفرخة لا تتوقف لتلك السلبيات والنتائج . وإن التعاطي معها بدلا من مواجهة النهج لا يحلها ، بل يُصلح ماكنة التفريخ ويطيل عمرها ويُحسن أداءها ومنتوجها الفاسد .
نحن كشعوب عربيه استُنسخت لنا هذه الحالة المنقرضة ، نعلم بأن علينا أن نتعامل مع ماكنة التفريخ نفسها وهي نهج حكامنا ولكنا لا نفعل ذلك ليس من واقع جهلنا ولا استسلامنا ، بل من واقع أسباب وعوائق ملموسة وتحديات غير نمطية لم يواجهها شعب قبلنا، وما زالنا نواجهها خطأ بوسائل نمطية . إنها تحديات مختلفة عن تحديات الحالة التاريخية في الصراع بين الطغاة وشعوبها في أوروبا أو في أي مكان أخر . *
حالة فيها حكامنا المغتصبون للسلطة يستعينون ويتحالفون مع تناقضنا الأساسي وعدونا الوجودي وهي الصهيونية ، ومع دول أخرى ما زالت تؤمن بالفكرة الاستعمارية كأمريكا وبريطانيا ، وأخرين من دول تستثمر الوضع العربي لتحقيق مصالح لها . وهذه الجهات كلها عظيمة القوة والامكانيات تتعاون مع حكامنا على قتل ثقة وأمل المواطن بالتغيير وإشعاره بالعجز والدونية واليأس وصولا لإعادة برمجته . وأتمنى على من يلومون الشعوب العربية وينعتوها بصفات الخضوع واللامبالاة سواء عن جهل أو عن حقد ، أن يضعوا هذا في حساباتهم . ولا أقول هذا لتبرئة ساحة شعوبنا بل لتقدير حجم ما تواجهه .*
إذاً ، انجرت شعوبنا لتجعل من طبيعة صراعها مع حكامها قائمة على المطالبة بإصلاحات تعالج ما يصنعه هؤلا الحكام من صعوبات تمس حياتهم ومعيشتهم عندما تصل سقفا لا يتحملونه ، أو بالاحتجاج على مواقف سياسية دون أصولها الفاسدة . إننا نلمس هذا السلوك الخاطئ في سقوف الكتاب والأحزاب والإعتصامات والاضرابات والحراكات .ولست ضد هذا السلوك الناجع في دول لا تعيش حالتنا الفريدة بهذا العصر ، ولكني أقول بأن هذا السلوك إذا استمر قائما لدينا بمعزل عن ربطه بالنهج القائم ، فسيودي بنا لقرون قادمه . فنحن لدينا الإمكانيات لتغيير قواعد الصراع . فليس طبيعيا أن تتعايش الشعوب مع هذه الحالة التي يتحالف فيها حكامهم مع عدوهم سواء من واقع يأسهم أو من واقع الثقة بهؤلاء الطغاة ، ولا من الطبيعي أو المنتج محاكاة النخب لوسائل لا تصلح لحالتنا هذه والإصرار عليها دون تطويرها أو الإنتقال لمرحلة أخرى ، وسآتي على ذلك .*
وبنفس السياق ، من غير الطبيعي أن تتسمر كل الفصائل الفلسطينية عند المبادئ والنظريات والمواقف والبيانات تحت عنوان الصمود والرفض بينما العدو أشرف على تصفية القضية . فالشعب الفلسطيني أصبح يبول وعيا وتنظيرا بما جرى ويجري ولم يعد يتقبل البيانات وكل الكلام . وليس من المصداقية بشيء أن يتجاهل أي فصيل فلسطيني بما فيه فتح حقيقة العلاقة وسقفها بين اسرائيل وسلطة أوسلو . ، وبأن التطبيع الفلسطيني مع هذه السلطة هو تطبيع مع الإحتلال . فالبيت الفلسطيني يحكمه الدنس ، والشعب الفلسطيني مطالب بالانتفاضة أولا على كل فصائله حتى تعزق ملفاتها الحزبية والأيدولوجية وأموال عباس وتلتقي على ملف التحرير بكل استحقاقاته
.*
عودة لما نحن فيه ، الأمة والوطن في أزمة عميقة والقضية الفلسطينية في النزع الأخير بلا ضوء من الأمل . ولا نريد أن نبني الأمل على وقوع العدو بشر أعماله ولا أن نقعد وننتظر عودة ملائكة بدر . كفانا قتال لعدونا بالأدعية وقتالا لأنفسنا بالسلاح . وكل شعرة في أجسادنا وأجساد هؤلاء الحكام تعلم بأنهم أصفار يتحكم العدو بوضع العدد على شمالها أو على يمينها ، وأن هذا وحده مصدر قوتهم ويجب أن لا يكون مصدرا لضعفنا ، . لقد تعاظمت ثقتهم بأنفسهم وتعاظم تجاهلهم للشعوب حتى أصبحوا يرون أنفسهم آلهات تسكن في شعوبنا وأوطاننا .
شعوبنا اليوم مدعوة بأن لا تكون جزءا من آلة وأليات إعلام الطغاة المضلل وأن لا تجلس منتظرة أي خير من طغاتها ، فليس عندهم سوى شر لا يتوقف ، وأن لا تكون جزءا من سياسة تطبيعهم مع العدو الصهيوني ، فوصول الشعب لمرحلة التطبيع فيه اعتراف وقبول بهلاك الأمة وخيانة للرب والوطن ، والإصرار على رفض التطبيع وتخوين أصحابه فيه رسالة رفض قوية للصهيونية وأعوانها ومعاهداتهم ، وحياة لنا ولحقوقنا . *
ونخبنا في كل قطر عربي مدعوة لتخطي مؤسساتها المهنية والسياسية والأهلية المحكومة بأنظمة وقوانين وأدبيات الطغاة ، وأن تباشر في تأسيس وتأطير مؤتمرات وطنية شعبية حرة في كل عاصمة عربية ، وأن تذوب فيها . فشعوبنا بلا حاضنات ، ولا بد أن تتهيأ لها هذه الأطر ليدرك ولاة الطغاة من الفرنجة بأن الأوطان مرجعيتها الشعوب ، وأن هذه الشعوب موجودة ولا يعنيها التهميش والتغييب ، وأنها ممثلة في تلك المؤتمرات والكلام معها والقرار عندها ، وليعلم الطغاة المأجورون أن العصيان المدني عندها سيكون ممكنا ومن أدوات التحرر الفاعله . .