دافعوا عن أشيائكم، فالخسارة مرّة
سناء جبر
بات من الواضح والجليّلكل فرد منا: كبيرًا كان أو صغيرًا، متعلّما وغير متعلّم … كلّ في موقعه ومن خلال تفاعله مع غيره من الناس باختلاف فئاتهم الوظيفية أو الصلة والقرابة الاجتماعية، أن الجانب النفسي يفرض بشكل مباشر طرائق مختلفة ومتباينة ومنوعة في التفكير بما يملي اعتباطًا نمطًا خاصًا للتعامل مع الغير ؛ فتجد اللّيّن السهل المرن الذي تود لو تمضي قدمًا في التعامل معه والحديث إليه…وبالمقابل، تجد من الناس الصعب العسر النكد وكأن مهمته في الحياة تضييق الخناق على غيره وتعكير صفو حيواتهم ومعيشتهم، هو نفسه من يعتقد بأن نصره المؤزّر يتحقق بإفساد حياة الآخرين ما لم يسيروا على هواه ولم ينفذوا ما يريده هو -لأنه فقط هو- بالسمع والطاعة ، كل الذنب الذي اقترفوه أنهم احترموا ذواتهم وأنفسهم وشخصياتهم ورفضوا كل الرفض أن يكونوا إمّعات وتوابع. وكيف لمديره أو للمسؤول في العمل أن يفرض شخصيته ويقتص منه سوى أن يكون سببًا في تخريب حياته وتدميرها؟ بكل بساطة وسذاجة في التفكير، ظن أن الرزق بيده لا بيد خالقه ونسي أو تناسى أن أمره ومصيره هو والموظف العامل عنده بيد ربٍّ أحَدٍ ،عدْل مطلق، نهى عن الظلم والتظالم، غفل هذا المدير الأحمق أن الدنيا دوارة متقلّبة، وأن عدل الله متحقق عاجلًا أو آجلًا.
وهنا، نتحدث عن اليقين بقدرته وعدله، كما لا ننسى أن الحق أقوى وله الغلبة ولو طال مشوار الباطل ، فمآل الظلم وخيم وظلمته دامسة ستكون وبالًا على مقترفيه، مصداق ذلك قول رب العزّة جل شأنه في سورة الإسراء: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرًا). فلنفكر مليًا في آي القرآن الكريم … ولنتدبر معانيه ولنقف ونعتبر ونتّخذ من أحوالنا اليائسة درسًا قاسيًا للتعلم فلا تدعوه يمرّ عابرًا مرور الكرام، ولتكن نقطة البداية لإعادة النظر في الحسابات والعذابات والدعوات المرفوعة إلى الله في الدجنة والنهار، ولنبدأ من حيث انتهينا … وليكن التصالح مع الذات أولًا عنوانًا للمرحلة القادمة؛ فتنقشع بذلك كل السحب السوداء التي غلفت القلوب وغشيت العيون، وليكن المرام والمطلب هو التيسير والتسهيل لا بسط السطوة والإذلال والمجاهرة بالفساد دون رادع ولا وازع.
وأنت أيها المتجبر المتكبر، إياك والعنجهية والتمادي. لا محالة، ستغرق في وحل ما اقترفت يداك، ستغوص في دونية فكرك وسوداوية قلبك… وإياك ثم إياك أن تنسى؛ فالله أكبر على كل من طغى وتجبر وتكبّر.
وأنتم أيها الأنقياء أصحاب المبادئ والخلق القويم ، أيها البسطاء الطيبون، إياكم والهزيمة أمام كل ظالم، إياكم والتراجع عن إنسانيتكم التي جبلتم عليها واعتزوا بها وفاخروا، فقد صارت الإنسانية حكرًا على ثلة من الخلق التزموا مكارم الخلق القويم، وآثرالكثير التخلي عنها فانتسبوا إلى صنف خاص بهم لا يمت للإنسانية بصلة.
دافعوا عن أشيائكم: شخصياتكم وأخلاقكم وأفكاركم وحقوقكم والزموا الحق ما حييتم ولا تغرنكم غلبة القوي فتهينوا أنفسكم وترفعوا الراية البيضاء مستسلمين للواقع فتنكسروا في غير أوانكم وتصغروا في عين أنفسكم قبل سواكم … حذار من الهوان والذل ولو كان للقمة خبز لأولادكم فلقمة الخبز المغمسة بالذل لا نفع فيها… ولا طعم لها إلا المرارة… وما من جدوى لها إلا أنها تورث صغارًا ليس بعده صغار.
لن نلتمس العذر لأحد بحجة لقمة الخبز؛ فالكبرياء أولى وطعم الكرامة أشهى وألذّ وأنفع، هونتاج أخلاقيات ومبادئ تربيت عليها عمرًا بأكمله، غرسها والدك فيك، وتعهدكما بالرعاية ليضمن نصاعة قلبك وروحك… ووضاءة وجهك… ونظافة يديك … ونقاوة سريرتك… فلا تضيعها نثرًا لا لقاء بعده، وتضيع معها إلى حيث اللاعودة. كن نفسك، ولا تَهٍن، ولا تجزع لخطوب الليالي فليس لها بقاء ولا دوام. وثق بالله الذي نتوجه إليه ضارعين أن يغير الحال إلى أحسنه وأفضله وأن يخرجنا من حولنا وضعفنا إلى حوله وقوته… وتذكروا دومًا أن الحق والعدل هما المصير المتحقق ولو تأخرالوصول…
وسيكون قدر الله ولطفه دوما حليفًا لنا عندما يساق لك شخص من أقصى الدنا… نقيّ لا تعرف كيف التقيته ولا متى تحدثت إليه أول مرة، إنما هي مجرد نعمة صادفتها يومً وبقيت معد دومًا.