تعقيبا على حديث وزير الداخلية الأسبق مازن القاضي

تعقيبا على حديث وزير الداخلية الأسبق مازن القاضي
موسى العدوان

في مقابلته المتلفزة مع الإعلامي طارق أبو الراغب، على قناة الحقيقة الدولية مساء يوم السبت 15 / 12 / 2018، تحدث معالي وزير الداخلية الأسبق والنائب الحالي مازن القاضي، عن محاور مختلفة، لا أريد التطرق لها جميعا – وإن كان لدي ما أقوله حولها –

ولكنني سأتناول في هذه العجالة محورا واحدا منها، لأعقب عليه بصورة موجزة.
قال معاليه في محور الديمقراطية ما يلي : ” بدأنا نفهم الديمقراطية بشكل خاطئ “. وهو بعبارته هذه يقصد عامة الشعب الأردني. وبصفتي أحد العامة، أرجو أن أوضح مفهومي للديمقراطية، التي لا أعرف إن كانت صائبة أم خاطئة. فأنا أفهم بأن مصطلح الديمقراطية يعني ” حكم الشعب “، والذي يعتمد على ثلاثة مرتكزات رئيسية هي : التعددية، آلية اتخاذ القرار، وحرية التعبير.

فالتعددية تعني إطلاق الحريات المنضبطة للأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والأفراد، لتعكس أفكارا وبرامج عديدة ومتباينة، تشكل منافسا قويا للحكومة في نشاطاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتساعدها في رسم سياسة الدولة. وقد حث جلالة الملك عبد الله الثاني في ورقته النقاشية الثانية على هذه المشاركة بقوله :

” على كل مواطن في نظامنا السياسي، وعلى كل مؤسسة وشخصية عامة، وبدرجة أهم على كل مواطن ومواطنة، ممارسة دور محوري لتعميق وتعزيز ثقافتنا الديمقراطية “. ولكن مع الأسف فإن حكوماتنا المتعاقبة تعتبر نفسها خبيرة في كل المجالات، وترسم سياساتها لوحدها، فثبت فشلها على امتداد العقدين الماضيين.

أما آلية اتخاذ القرار فهي إحدى المهارات في حياة الأفراد الشخصية، وفي إدارة المؤسسات الرسمية والخاصة. ويمكن تعريف القرار : بأنه اختيار الأسلوب الأفضل بين بدائل مختلفة لحل معضلة معينة. وهكذا يتم التوصل إلى القرار في إدارة الدولة، من خلال التفكير السليم، الذي يشمل البحث والتحليل والتقييم، بعد التشاور مع المختصين والأحزاب والمؤسسات الحكومية والأهلية.

وهذا العمل يتطلب قبل كل شيء وجود مسؤولين أكفاء على رأس مراكز صنع القرار، وليس بوجود مسؤولين يفتقرون للكفاءة جري تعيينهم لحسابات شخصية، يؤدي في النهاية إلى تدني أداء مؤسساتهم. ومن الشواهد على ذلك ما عانيناه هذا العام، من إصدار الحكومة لقرارات غير مدروسة، ظهرت نتائجها السلبية وأضرارها على الدولة والمؤسسات الخاصة خلال فترة قصيرة، فاضطرت للتراجع عن بعضها.
وبالنسبة لحرية التعبير، فهو حق للإنسان يعبر بع عن رأيه ووجهة نظره بحرّية، من

خلال الحديث في مختلف وسائل الإعلام العامة أو الخاصة شفهيا أو كتابيا، بهدف تحقيق الخير لمصلحة الأفراد أو الجماعات والمؤسسات. وقد سبقتنا إليها الثورة الفرنسية في عام 1789، ثم تلاها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948، حيث جاء في مادته رقم 19 النص التالي : ” لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود “.

ولا شك بأن حرية التعبير تمثل جزءا أساسيا من الممارسة الديمقراطية، وركيزة هامة من ركائز المجتمع الديمقراطي، تسهم في تحقيق النمو الاجتماعي والاقتصادي، وتحفظ الأمن الوطني للبلاد. كما أن الشفافية وتوضيح الحقائق من قبل حكومة موثوقة، حول الأمور التي يتداولها الناس يسهم في مكافحة الشائعات والآراء المغلوطة. وفي هذا المجال فقد قامت الحكومة بطرح شعار ” حقك أن تعرف ” وأعلنت عن إنشاء منصة إلكترونية، للإجابة على استفسارات المواطنين، ولكن لم نرَ تفعيلا لها حتى الآن.

وإمعانا في ممارسة الضغط على المواطنين لمنعهم من التعبير عن آرائهم بحرية، ستصدر الحكومة هذه الأيام قانونا حظي باسم مرعب، أطلق عليه : ” قانون الجرائم الإلكترونية “. وهذا القانون سيء الذكر يهدف إلى تكميم الأفواه، والزج بكل صاحب كلمة جريئة، تشير إلى الفساد والفاسدين في السجن،علما بأن هناك قانون العقوبات الذي يفي بهذا بالغرض. وما على مدير الأمن العام إلا أن يشحذ همته، ويشرع ببناء المزيد من السجون وأماكن التوقيف في مختلف المحافظات، ليتمكن من استيعاب زواره الجدد، جرحى قانون الجرائم العتيد.

بعد هذا التوضيح الموجز للديمقراطية، كما أفهمها ويفهمها غالبية الشعب الأردني، آمل من معالي السيد مازن القاضي، أن يصحح مفهومنا للديمقراطية الصائبة من وجهة نظرة، لعلنا نعدل ثقافتنا وخطاباتنا المستقبلية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى