الجيش منقسم وترامب يهدد بحرب أهلية.. ما الذي يحدث في أمريكا؟

سواليف
في وقت سابق من هذا الأسبوع، نشر الرئيس الأمريكي والقائد الأعلى للقوات المسلحة دونالد ترامب تغريدةً عبر موقع تويتر، قال فيها إنَّ عزلَه من منصبه «سوف يتسبب في حرب أهلية» قد لا تتعافى منها البلاد أبداً. وإذا أخذنا بعين الاعتبار التصريحات التي أدلى بها أحد القساوسة الإنجيليين على محطّة Fox News الأمريكية، فإن ترامب لم يقل إن إقالته ستؤدي إلى هزيمة انتخابية كبيرة للديمقراطيين، أو حتى مظاهرات حاشدة، بل قال إنها ستدفع إلى «حرب أهلية». أي يحمل فيها الأمريكيون السلاح ضد غيرهم من الأمريكيين باسمه.

وبدأت عبارة «الحرب الأهلية الثانية» تحقّق رواجاً على موقع تويتر، مثلما سبق أن تكرّر كثيراً في وقتٍ ما وسم #CivilWarSignup (الاشتراك في الحرب الأهلية).

في العصر الحديث، كانت الحروب الأهلية الحقيقية هي النكبة العظمى لبلدان العالم الثالثة؛ إذ إنها صراعات تُقسِّم الأمم والمجتمعات على أسس سياسية أو عرقية أو دينية. وغالباً ما تصحبها الأحكام العرفية وتُحَل بالتدخل العسكري. أهذا هو ما يدور في ذهن الرئيس؟ وفي مثل هذا الموقف، أين سيقف الجيش الأمريكي؟ تشير نظرة من داخل القوات المسلحة في البلاد إلى أنها منقسمة مثل بقية البلاد، وياله من وضع خطير أن يجد الجيش الأمريكي نفسه في حالة انقسام.

بعد أن أمضيت 19 عاماً في واشنطن في وظائف استخباراتية داخل الكونغرس الأمريكي، وفي مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الأمن الداخلي (كنت خلالها أركّز جهودي على مكافحة الإرهاب ومكافحة التجسس)، أتيحت لي الفرصة للانضمام إلى الفريق الأحمر، التابع لقائد القيادة المركزية الأمريكية في مدينة تامبا بولاية فلوريدا.

ولكن في غضون بضع سنوات، أخبرتنا القيادة العليا للقيادة المركزية الأمريكية أن «التحليل البديل» للفريق الأحمر كان «مربكاً» للقائد. (وكانت الحقيقة أنهم لا يريدون فعلاً أي تحليل منافس يتعارض مع ذاك الذي يُروّجه محللو الاستخبارات التقليديون). وقيل لي إنني الآن سأكون مُخطِّطة استخباراتية. يقدّم مخططو الاستخبارات دعماً استخباراتياً مهماً للعمليات العسكرية. (وتجدر الإشارة إلى أن القيادة المركزية الأمريكية تحمل على عاتقها مسؤولية معظم أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك الحروب في العراق وأفغانستان والحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)). وقد بقيت في القيادة المركزية لمدة 12 عاماً.

تعتمد جمهوريتنا على المبدأ الدستوري المهم، المتمثل في السيطرة المدنية على جيشٍ غير مُسيّس. لكن الصخب المُستمر لنظريات المؤامرة اليمينية والخطاب السياسي البغيض قد شقَّ طريقه إلى قطاع كبير من الرُّتب البارزة، وحتّى على مستوى الجنود في الجيش الأمريكي. ومنذ وقت ليس ببعيد، كان غالبية الذين يخدمون في الجيش يُصنِّفون أنفسَهم جمهوريي ريغان (نسبة إلى الرئيس السابق رونالد ريغان). ولكن مثلما استُبدِل ذلك التصنيف بـ «داعمي ترامب» بين جموع الجمهوريين المدنيين، جرى الأمر نفسه في القوات المسلّحة، وبموجب هذه المعايير، سيُنظر إلى رونالد ريغان نفسه على أنه اشتراكي.

يُظهر الاستطلاع الأخير أن معدلات قبول ترامب بين المحاربين القدامى في الجيش أعلى منها بين السكان المدنيين. وبحسب خبرتي، فإن دعم دونالد ترامب بين شريحة كبيرة من الجيش الأمريكي يبدو تماماً كما لو أنه دعم ديني.

ليس أي شيء من هذا منطقياً؛ إذ إن ترامب هو تجسيد لكل ما يجب أن يحتقره الجيش الأمريكي: متهرب من الخدمة العسكرية، وفاسق، ومترهل، وكسول، وجاهل، وأضحوكة ظلّت الصحف تتشدّق بها لعقود من الزمن، ونجم في أحد برامج تلفزيون الواقع. سعى ترامب خلال حملة عام 2016 إلى التلويح بمهاراته غير الموجودة في شؤون الأمن القومي، من خلال إهانة جنرالات باراك أوباما. إذ قال: «أعرف المزيد عن داعش أكثر مما يعرف الجنرالات. لقد تحطم الجنرالات وتقلّصت مكانتهم لدرجة مُحرجة لبلادنا». وألمح إلى أنه عندما يصير رئيساً سوف يفصلهم من مهامهم. وقال في فعالية Commander-in-Chief Forum (منتدى القائد الأعلى) الذي نظّمته محطّة NBC الأمريكية: «ربما كانوا جنرالات مختلفين».

فالرجل الذي لديه سجل معلن ومستمر على مدى عقود من السلوكيات غير الأخلاقية، والذي لم يخدم قط الولايات المُتحدة مُرتدياً الزيّ الرسمي، ولم يؤدِّ أي خدمة عامة لبلاد، نشر تغريدة تحمل إهانات طفولية بشأن جنرالات متقاعدين برتبة الأربع نجوم مثل كولن باول، وجون ألين، وستانلي ماكريستال، ومايكل هايدن، ومارتن ديمبسي. بل إن العديد من هؤلاء الجنرالات حاملي الأوسمة، الذين شدّ القتال عضدهم، كانوا جمهوريين طيلة حياتهم التي كرّسوها لخدمة بلادهم. ومع ذلك، كانوا يعتقدون بقوة أن ترامب يمثل خطراً على الأمن القومي، دفعهم لاتخاذ خطوة استثنائية بكسرهم التقاليد العسكرية وانتقاده على الملأ.

في الأوقات العادية، كان هذا سيُسدد ضربة قوية لأي حملة انتخابية، ويطيح بقوّةٍ الدعمَ في صفوف الجيش، لكن الهجمات التي شنها الجنرالات، واستعداد ترامب للردّ الحاد، لم يُسفر سوى عن صعود منزلته بين صفوف حاملي الرُّتب العسكرية المتباينة.

وقد عرف هؤلاء الجنرالات هيلاري كلينتون معرفة شخصية على مدار سنوات، إذ عملوا معها تارّة حين كانت عضوة في مجلس الشيوخ، وتارة أخرى عندما شغلت منصب وزير الخارجية، وأُعجبوا بجدّيتها وذكائها، وبمجرّد حصول ترامب على ترشيح الحزب الجمهوري، أسفر ذعرهم عن محاولة أقل من أن توصف بالشفافية من أجل مساعدتها على الفوز، من خلال انتقاد نهج ترامب السخيف بخصوص الأمن الوطني. وقد أسفر ذلك عن نتائج عكسية على نحوٍ بالغ، ولم يحقق سوى تعزيز دعم ترامب بين القوات.

ثم كانت هناك حالة مايكل فلين. بعد حياة مهنية عسكرية طويلة، دفع غضب فلين ومرارته إلى انطفاء نجمه على يد ترامب، وكانت هذه خطيئته، فقد أُدين الجنرال المتقاعد الذي يحمل رتبة ثلاث نجوم بالكذب على مكتب التحقيقات الفيدرالي وينتظر صدور الحكم بحقّه، وكان من المفترض أن يودّي تزعمه هتاف «اسجنها» خلال المؤتمر الوطني للحزب إلى إثارة الاشمئزاز لكل من خدم بالزي الرسمي، ولكن هذا لم يحدث.

استمرَّت هذه المذبحة الهادفة للنيل من سمعة الجنرالات الأمريكيين ذوي الأوسمة الرفيعة المرتبطين بترامب، بينما يحاول كل من هربرت ماكماستر، وجون كيلي، وجيمس ماتيس جميعاً إضفاء التماسك على سياسات ترامب. وبدلاً من ذلك، تعرّضوا لنوباته من الغضب والإذلال، وتركوا الإدارة في نهاية المطاف. فلم يسبق ترامب مثيلٌ من الرؤساء في أن يحظى بفرصة الوصول إلى عقود من الخبرة العسكرية والأمنية الوطنية، فيبددها ويهينها.

على الرغم من كل هذا، فإن تفاني شريحة كبيرة من الجيش في دعمهم لترامب كان لا يتزعزع. وكان الاستماع إلى ما يقوله أفراد الجيش -بما في ذلك قدامى المحاربين في فيتنام- وهم يُرددون كالببغاوات هجمات ترامب ضد جون ماكين -الذي قضى خمس سنوات مؤلمة أسير حرب في سجن هانوي هيلتون بفيتنام- أمراً مروعاً ومقلقاً. لقد حدث ذلك في مختلف رُتب العاملين بالمؤسسة العسكرية، وليس الجنرالات وحسب، وكان ترامب يُلوّح بدعواته للمسيرات العسكرية.

تعلم ترامب من مايكل فلين، الجنرال المتقاعد المارق الأقرب إليه، مدى عمق ازدراء الجيش للديمقراطيين، ولاسيّما هيلاري كلينتون وباراك أوباما على وجه التحديد. وتعلم ترامب من فلين أن هناك مظالم واستياءً داخل المؤسسة العسكرية يجب استغلالها. ويمكن سماع ضباط عسكريين أذكياء للغاية وأصحاب سجلات خدمة رائعة من المتقاعدين وممن لا يزالون في الخدمة بالقيادة المركزية الأمريكية (وهم ليسوا مدعاة للرثاء) وهم يكررون نظريات المؤامرة اليمينية المتطرفة على غرار: «هيلاري قتلت الكثير من الناس»، و «أوباما مسلم أسود كيني»، و «مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية فاسدان»، و «وسائل الإعلام تنشر أخباراً مزيفة». وبالرغم من ذلك، لا يبدو أن هجمات ترامب وإساءته الموجّهة لرؤسائه السابقين، وحتى هجومه على مؤسسة Gold Star Families، تؤثر على رأيهم فيه.

بمجرد انتخاب ترامب، قبلوا من صميم قلوبهم ادعاءاته بأن «الدولة العميقة»، و «وسائل الإعلام المزيفة» يخططون الآن للانقلاب ضده. وقد يصف بعض هؤلاء أنفسهم بـ «القوميين»، دون أي فهم أساسي للفارق بين «القومية» و «الوطنية». (يتقاطع مسار الانقسام السياسي أيضاً مع الأسس العرقية، إذ كان الأمريكيون الأفارقة الذين يخدمون في الجيش يكنّون إعجاباً عميقاً وتأثّراً بأول قائد أسود للبلاد، دون أن يُشاركهم في ذلك نظراؤهم البيض. فقد أعرب قائد في الجيش، وهو من قدامى المحاربين الذين شاركوا في حرب العراق، عن رأي كثيرين آخرين في الجيش حين قال لي: «الجيش يكره أوباما»).

وصارت بيئة القيادة المركزية الأمريكية، ولاسيّما مناخ مركز الاستخبارات المشتركة التي تضم جميع محللي وكالة استخبارات الدفاع، تبدو متأثرة بالسياسة في اللحظة التي تطأها قدماك. ففي التلفزيونات في الردهة، ومناطق الاستقبال، وفي المساحات المكتبية الخاصة، وحتى في مقهى الموظفين والزائرين، تُعرض محطّة FOX News. وكانت أورويلية في انتشارها. كان الناس في مكاتبهم يشغّلون بث محطّة FOX News أثناء قراءة كتابات المعلّق مات دردغ وموقع Breitbart. (وبحلول عام 2018 بدأت المزيد من المساحات العامّة بتلك المنشآت تبث المحطّات الرياضية أو تلك المعنية بأخبار الطقس لينأوا بأنفسهم عن السياسة التي أصابت البعض بعدم الارتياح).

كان نهج التعنت الذي سلكه ترامب مع هيلاري كلينتون وباراك أوباما هو الذي جعله بطلاً. فلم يعد من الممكن الوثوق في مكتب التحقيقات الفيدرالي بعد أن ترك «هيلاري المُلتوية» -بحسب ما وصفها ترامب- تُفلت من العقاب، وبالتالي يفتقر أي شيء كشفه مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية حول التدخل الروسي في انتخابات عام 2016 تلقائياً إلى أي مصداقية، ولا يُصدَّق شيء مما يكشفانه.

وكان هذا قلقاً نابعاً بشكل خاص من محللي الاستخبارات الذين كانوا يُرددون كالببغاوات إهانات ترامب لرؤساء مجتمع الاستخبارات السابقين، ممن دقّوا أجراس الإنذار بشأن اتصالات حملة ترامب بالروس. وقال ضابط مخابرات كبير في وكالة الأمن القومي، إن لديه دليلاً على أن اختراق رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهيلاري كلينتون كان «مؤامرة داخلية» وليس في الحقيقة على غرار ويكيليكس، أو ذا صلة بالروس. وكان من الصعب أن نفهم سبب شعور خبراء الاستخبارات العسكرية بأنهم مضطرون لتشويه سمعة تقييمات بقية مجتمع الاستخبارات، بالأخصّ حين يتعلّق الأمر بترامب، وكان من الصعب كذلك استيعاب سبب الضراوة التي دافعوا بها عنه شخصياً.

في أوقاتهم الخاصّة كان الكثير منهم يتابعون مثيري الصخب عبر الإنترنت، على غرار «هل رأيت هذا! هيلاري مصابة بمرض الشلل الارتعاشي!». فهل كان محللو مخابراتنا العسكرية ضحية لنفس حملة التأثير الروسية التي أثرت على الكثير من السكان المدنيين؟ وكان الحال على شاكلة أحد مشاهد فيلم The Manchurian Candidate، فإذا انتقدت ترامب يُجيبونك قائلين: لقد فعلت «هيلاري» كذا، أو فعل «أوباما» ذاك، كان الأمر يبدو كما لو أنّهم مُبرمَجون.

اتخذ ترديد كلمات ترامب بطريقة الببغاوات منعطفات أخرى مزعجة. إذ بدأ المرء يسمع المحللين العاديين في القيادة المركزية للولايات المُتحدة وهم يدلون بتصريحات مستهجنة ضد الشركاء الغربيين في التحالف -وهم الكنديون والبريطانيون والفرنسيون والألمان- وضد حلف الناتو عموماً، بوصفهم «خاملين». ويتغنّى الضباط العائدون من زياراتهم إلى دول الخليج بمدى الارتياح في المنطقة بشأن رحيل أوباما، والتخلص من هيلاري، وأن هناك «عمدة جديداً في المدينة».

فلا تكاد دول الخليج العربي -خاصة السعوديين- تصدّق أن الرياح أتت في صالحها. لن يُزعجهم أحدٌ بشأن حقوق الإنسان. وسينالون المساعدة العسكرية التي يريدونها دونما قيد أو شرط، وإذا تصرّفوا بالطريقة السديدة فسوف يجدون ترامب في صفّهم لمهاجمة إيران.

وكان الإسرائيليون سعداء بكل ما تعنيه الكلمة من معنى بانتخاب ترامب. حتى إبان الغضب الإعلامي بسبب مقتل الصحفي جمال خاشقجي على أيدي السعوديين، جادل أحد المحللين قائلاً: «لم يكن حتى مواطناً أمريكياً»، فكان يُردد دونما عقلٍ ما سمع ترامب يقوله عبر محطّة FOX News، كما لو أن هذا ينبغي أن يكون الفيْصل حين يُقطّع جسد صحفي.

على المستوى التنفيذي، كان انتقاد أوباما (الذي كان مُستحقاً جزئياً) قائماً على أن انسحابه من العراق هو ما أدّى إلى خلق داعش، وكذلك رفضه في اللحظة الأخيرة ملاحقة بشار الأسد في سوريا. ولكن لا يوجد شيء يقف كالشوكة في حلق المُحللين والمخططين بمركز القيادة أكثر من الصفقة النووية الإيرانية، المُشار إليها بـ «خطة العمل الشاملة المشتركة»، إذ كانوا يعتقدون أن هذه الصفقة منعت الولايات المتحدة من إعطاء إيران الصفعة الدموية التي تستحقّها والتي طال انتظارها.

وبينما اعتقدت مؤسسة الأمن القومي المدني أن خطة العمل الشاملة المشتركة قد أبعدت إيران عن المضيّ قدماً في برنامج الأسلحة النووية الذي من شأنه أن يؤدي إلى سباق تسلح نووي إقليمي، رأى الجيش أنها استسلام لا يغتفر للداعم الرئيسي للتشدد والإرهاب في المنطقة. وقد خدم معظم الضباط العاملين في الجهود العسكرية والمتقاعدين في القيادة المركزية الأمريكية في العراق في وقت ما، حيث ذكرت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أن الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران قد قتلت 600 جندي أمريكي، وهم لم ينسوا ولم يغفروا ذلك.

خلال الحرب الباردة، قضى محللو الاستخبارات حياتهم المهنية بأكملها يخططون لحرب مع الاتحاد السوفيتي، ولحسن الحظ، لم يأت ذلك أبداً. وقضى الكثيرون في القيادة المركزية الأمريكية حياتهم المهنية في فعل الشيء نفسه فيما يتعلق بإيران. وقد فهم المخططون العسكريون أنه لم تكن هناك أي خيارات عسكرية جيدة حين يتعلق الأمر بالحرب مع إيران، لكن الصفقة النووية منحت إيران أكثر من 100 مليار دولار نقداً، وكان ذلك بمثابة إغداق غير مُرتقب لم يستغله النظام الإيراني لتحسين حياة شعبه، بل لزيادة تمويل الميليشيات الشيعية والحرس الثوري الإسلامي ممن كانوا يعملون على مقربة من الجنود الأمريكيين في محاربة داعش آنذاك. (أثبت الزمن أن هذه الحجة كانت في الغالب صحيحة، ولكنّه من الصحيح أيضاً أن خطة العمل الشاملة المشتركة وفّرت الحماية للقوات الأمريكية من الميليشيات الشيعية وقوات الحرس الثوري الإيراني، التي تقاتل على مقربة من القوات الأمريكية في قتال داعش). نظرت القيادة المركزية إلى رغبة ترامب في سحب الولايات المتحدة من الصفقة من جانب واحد وكأنه أمر لا يدنو عن وصفه بالبطولي.

وتنامت الفجوة بين العالم المدني والجيش منذ الحربين في العراق وأفغانستان، وهي الحروب التي خلفت أثرها على الأسر الأمريكية أكثر من أي وقت مضى منذ حرب فيتنام. خلقت حرب فيتنام انقساماً ثقافياً هائلاً في الولايات المتحدة نجح ريتشارد نيكسون في استغلاله، مما أكسبه أحد أكبر الانتصارات الانتخابية في التاريخ الأمريكي. ولكن ربما يكون هناك شيء أكثر شرّاً يسير على قدم وساق بينما نقترب من عقد انتخابات عام 2020. فقد فعل ترامب ما لم يستطع نيكسون فعله، وتجنب حتى الآن المثول أمام الكونغرس للخضوع لمساءلة حقيقية، ونجح في طمس معالم الخطوط الفاصلة بين الأكاذيب والحقيقة في أذهان الرأي العام الأمريكي، وقوّض المؤسسات التي حافظت على أمان الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية.

إذ إن مدى الكراهية العميقة التي يشعر بها الكثير من العسكريين تجاه الديمقراطيين، وتجاه «الدولة العميقة»، وتجاه «وسائل الإعلام المزيفة» ما هي إلا ظاهرة جديدة. علاوة على أن الاعتقاد بوجود انقلاب بالفعل ضد الرئيس ترامب هو سلاح يملكه ترامب في ترسانته، والأمر يتوقف على طول الطريق الذي يقرر أن يقطعه نحو الاستبداد، لكن ترامب سيحتاج إلى تمزيق الجيش بعمق أولاً، وهذا شيء يجب الحيطة بشأنه. فلا شك أن معظم أفراد القوات المسلحة من الأمريكيين الشرفاء والوطنيين، الذين لن يشاركوا في مثل هذا المخطط بالرغم من دعمهم لترامب، بيد أن جزءاً كبيراً منهم ربما يفعل ذلك.

– هذا الموضوع مُترجم عن موقع Daily Beast الأمريكي.
عربي بوست

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى