عرش الغياب / منصور ضيف الله

عرش الغياب
كانوا ثلة ، يغسلهم الفقر والحرمان ، يجرون مع الأيام كما نسمات الصيف التائهة ، وكانوا كيارا ، وكنا صغارا ، نرقبهم إذ ينتحون بعيدا عن العرب ، ليبدأوا هوايتهم الوحيدة . وحدي كنت التهم المشهد ، وأضيف عليه من خيالي ما استطعت . عادة تبدأ المعركة بعيد الغروب ، وقد تشربت التلال شفقا خجولا ، وحمرة لا تلبث ان تستحيل صمتا غريبا . كلاب الحي تنبح لعل طارقا طرق ، أو لعله الاحتجاج . وإذ يتبدد المنتصر والمهزوم ، يكون الفريق قد غرق في ظلام حالك ، وخلد الربع إلى نصف أغفاءة ، إلا من همهمات الأماعز ، وصرير الجنادب ، ونبأة الأرواح الزائرة .
يومها كان كل شيء يبدو صعبا ، وغريبا ، وغير ذي قيمة ، حتى واردات الماء يتبعن أقنية ملتوية ينثعب فيها الماء شلالا طاهرا هادرا نحو الغرب ، إلى تلال بيضاء متجاورة تقبض على نهر الأردن ، وتطارحه حكايا العبور والموت .
ولأن الحكاية برمتها تعبر من الذاكرة إلى الذاكرة ، ومن المغطس الى المهد ، ومن المهد إلى القيامة ، فقد رحلت الثلة وراء الغيم ، حاولت العبور فاصطدمت بالموت ، اختارت نهاياتها ؛ حملت دمها ، وسافرت . وراء الغيم تماما ، هناك في الأعالي ، يرقبون .
كل ليلة يتعمدون في ماء الأردن ، ثم يصعدون ، في انتظار العبور الأخير .
هذه الليلة عليكم سلام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى