
أسعدُ الناس
بعد إلحاحٍ متواصلٍ من الأصدقاء قام أبو الدُحّ أخيراً بالاشتراك في الفيسبوك. لكنه ما إن فعل هذا حتى شعر أنه أتعس رجل في العالم. فقد اتضح له أنّ أصدقاءه، شلّة الفقر والنكد، يَحيَون حياتهم بالطول والعرض من وراء ظهره. صورٌ في الرحلات، في تسلّق الجبال، على السواحل. إشعاراتٌ بالتواجد في المطاعم الفخمة، وفي السهرات الموسيقية. إضافة إلى ما تشي به صفحاتهم من استقرارٍ عائليّ.
حطّم هذا الاكتشاف نفسَ أبو الدحّ تماما. لم يعد لديه شك في أنّ كل النقمة والاستياء اللذين كان يظهرهما أصدقاءه أمامه ما هما إلاّ تمثيلية مبعثُها تعاطفهم مع سوء حاله. فالحقيقة تقول إنّ لا فقر ولا نكد في حياة الأصدقاء؛ صفحات الفيسبوك تُثبت هذا.
بعد تمرين ذهنه على استخدام الفيسبوك، خطر ببال الرجل الاطلاع على صفحات أبنائه وزوجته، وقلبهُ مفزوعٌ مما يتوقع أن يجده. فبإمكانه تخيّل ما تحتويه صفحات أكثر الزوجات تذمّراً في العالم، وأقلّ الأبناء احتراماً لذويهم. لكنه ما إن بدأ رحلة استكشافه هذه حتى وجد أنّ الأبناء الأعزاء تلهج ألسنتهم عبر منشوراتهم برضى الله ورضى الوالدين. بل واكتشف أنّ زوجته الأصيلة كانت في الواقع تخفي في نفسها من الصبر والاحتساب ما شاء الله أن يُبديه عبر صفحات الفيسبوك. أكثر من هذا، لقد وجد أنها نشرت العديد من الصور برفقته! صحيحٌ أنّ الصور من أيام السفربرلك، ولا تُنبىء اطلاقاً بما آل إليه الحال بينهما مؤخرا، إلا أنها كانت مفاجأة سارة له أن يجد زوجته مزهوّةً بها.
اصطدمت مظاهر السعادة العائلية التي وجدها في صفحات أفراد أسرته بما يعلمه عن حياته، فأدرك أنّ فكرته السابقة عن حياته كانت خاطئة.
بعد كل هذه الأدلة الدامغة على سعادته، آمن أبو الدحّ- بقلبٍ وطأته الغبطة على حين غرّة- أنّ التعاسة لم تكن إلاّ فكرة خيالية في ذهنه، وأنّ السعادة هي التوصيف الأقرب إلى واقعه. واحتفاءً بإعادة اكتشافه لنفسه كواحدٍ من أسعد الناس، أرسل صاحبُنا –في مبادرةٍ سخية منه- دعوة خاصة لزوجته وأبنائه لاحتفالٍ باذخ مساء اليوم بين رحاب صفحته الالكترونية، بإشعارات تواجد العديد من الأصدقاء والكثير من صور الحلويات وباقات الورد الإلكترونية.