الهروب الجديد إلى العبودية

الهروب الجديد إلى العبودية
نور دلالعة

إن الحياة الحديثة الاستهلاكية، والتغير المستمر السريع لشكل الأدوات والأجهزة لاستدامة الحضارة تحت مسمْى ( التقدم التكنولوجي ) جعل من البشر عبيداً للمادة.
فالحياة المتقدمة والمتغيرة بشكل مستمر وسريع تشبه النهر الجاري، وعليك أن تُجاريهِ بسرعته من أجل اللحاق بمن تقدموك ، فنجاحك يُقاس بمدى صُمودك وأنت تُسابق الجميع في هذا النهر.
إن أنت أبطأت قليلاً؛ فلن يرحمك المارون المتجّهون بجنون نحو تحقيق الذات الزائفة، فقد يستغلك أحدهم ليعبر فوقك ويتركك إنْ تهالكتَ وأصبحت لا تخدم غايتهُ الخاصة.
أو قد تعلق بالصخور على الأطراف تراقب المارين أمامك بحسرة وخيبة أمل.
هذه العبودية مفروضة على الجميع، ففي هذا العالم المتقدم يجب أن تعمل أكثر وأسرع لتحصل على كل ما هو جديد. وللأسف كل ما هو جديد سيغدو قديما وبفترة وجيزة، ولن يؤدي الغرض؛ لأنه قد ظهر ما هو أكثر حداثةً منه.
فالتغير والتبدل السريع في سوق الحاجات جعل من البشرية عبيدا يلهثون وراءها.
فحالة العابرين هنا في هذا العالم المتقدم هي قلق مستمر واجهاد نفسي وجسدي، إما أن يؤدي بهم إلى الجنون أو إلى اليأس والإحباط.
فمن يبقى في النهر ملاحقاً نجاحات واهمة لتحقيق ذاته لن يجد طعم السعادة أبداً، لأن الغايات فيه لا نهائية.
لذلك فأنا أختار أن أخرج من هذا النهر وأدير له ظهري حتى لا أشاهد المارين مستمتعة بحياتي البسيطة مُتخلّفة عن الجميع.

نور دلالعة
باحثة في علم الاجتماع

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى