تسليع التعليم

تسليع التعليم
نور دلالعة

لم يكن ليُعطي مصطلح “خصخصة التعليم” عمقاً وافياً للمعنى الحقيقي لما قد يُهدد نوعية التعليم وتَبِعاته الاقتصادية والاجتماعية. إنما هو في حقيقة الأمر ” تسليع التعليم”، فلم تُضِف الخصخصة للتعليم إلا أنها حوّلتهُ إلى سِلعة تخضع لما يخضع له السوق من عرض وطلب ومنافسة على الربح وليس على مخرجات ذات قيمة معرفية. وفي ضوء الحاجة المُلحّة على التعليم المستمر بسبب استمرار تغيّر حاجات السوق.. فلن يكفي أن تتخرج بشهادة جامعية لتلقى مكانا في سوق العمل؛ بل عليك أن تواصل الحصول على دورات تتغيّر كل يوم حسب تغير حاجات السوق. “فتسليع العلم” لم يعد يشكل خطرا على جودة المخرجات التعليمية فحسب بل تعدّاها إلى تبِعات اقتصادية واجتماعية سيئة.
وأرد على من يطالبون بإلغاء المكرمات في التعليم متذرعا بضرورة توزيع الفرص بالتساوي؛ عليك أولا أن تساوي جميع ظروف الطلبة الإقتصادية والصحية والتعليمية والاجتماعية قبل أن تصل لمرحلة الثانوية العامة، بعدها لك أن توزّع الفرص بالتساوي.
فإن تركيز الخدمات الجيدة في مناطق معينة كالعاصمة، وقدرة فئة معينة من أصحاب الدخول المرتفعة على الحصول على أفضل تعليم أساسي فهو الظلم بعينه.
فالمطالبة بإلغاء المكرمات كمن يوزع على أبنائه مبلغا من المال بالتساوي؛ ويتركهم بعدها ليواجهو مصيرهم، متجاهلا أن أحدهم لم يزل طفلا، وآخر أكمل تعليمه الجامعي، وآخر حاد الذكاء بينما أخوه معاق جسديا، و يعاني الأخير من مرض خطير.
هذه ليست من المساواة في شيء؛ فهذه الطريقة هي توزيع شيء ما بالتساوي وهي صفة للتوزيع وليست صفة للتعامل بالمجمل، فتحقيق المساواة بالمعنى الشامل هو العدل.
وإذا ما تخيلنا معاً إلغاء المكرمات، فلن يستطع الدراسة إلا أصحاب الطبقة العاجية، وبما أن القدرات العقلية والإبداعية موزعة على الجميع فإن المتميزين من سكان الريف و البادية والفقراء سيتم سحقهم مرة أخرى. مما سينتج تعليم أقل جودة مفتقد للكثير من العقول المبدعة، وبالتالي تؤثر على الإقتصاد المرتبط بسوق العمل، وسيزيد من الفروق الاقتصادية ويعمق النزاع الاجتماعي، ناهيك عن زيادات في نِسَب البطالة والفقر الذي قد يهدد الأمن المجتمعي الداخلي.
لضمان استقرار الوطن فإن المسؤولية تقع على عاتق الحكومة والنخب السياسية في إعادة تشكيل المنظومة المجتمعية بحيث تحفظ حقوق الجميع في التعليم والعمل.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى