غروب الأمهات …!!

غروب الأمهات
مقال الاثنين 23-11-2015
الأمهات مثل الشمس يسحبن أصابعهن من بين أغصان العمر شيئاً فشيئاً ،ويتركن خلفهن ظلاً بارداً…
آخر النهار يلملمن “الكاسات” المدلوقة ، و”بلايز” الصغار المرمية قرب البراميل أو المحشوة بالتنك الفارغ ، يُسبّحن بالحَبِّ السَّاقطِ قسراً تحت الشجرة بين أصابعهن فيزداد بركة ..يعدلن ميلة “الشنبر” فيتساقط ورقاً يابساً وزيتوناً دافئاً..يحصين “الدلاء” الممتلئة ويعُدن بآخرها فوق رؤوسهن بكل فرح..
**
كانت تُسعدُهنّ خدوش اليدين ، ويسلّيهن أكثر عدّ الجروح في الكف والرسغ وحتى الوجه، كنّ يبتسمن للموسم فيبتسم الموسم اليهن…كان العراك مع الزيتونة يشبه العراك مع الأحفاد جميلاً ولذيذاً وودوداً ليس فيه غالب ولا مغلوب…هو شغف القلوب للقلوب لا أكثر…
**
عند الغروب مثل الشمس كانت تنشغل الأمهات بمهمات روتينية…”تحويش” الدجاجات، جمع الغسيل قبل ان تصافحه رطوبة الليل ، انتظار أصحاب المحاضرات المتأخرة على درجة الدار.. وإشعال الأضوية المنسية ، وتزييت “صوبات القرّاية “…
**
عند الغروب تذوب القلوب…فتصبح عسل المساء الذي أحن اليه كلما مررت من حي..هنا كانت تجلس نساء الحارة يودّعن النهار بطريقة مختلفة…كنّا يضعن الأحفاد على مرمى البصر يتابعن لعبهم ثم يعدن بهم بعد تكبيرة الأذان الأولى…كن يمارسن متعة التعرف على الصبايا المارات من أمامهن “بنت مين أنت يا خالة”..يبعثن بالسلام الى الأمهات البعيدات…يستضفن العجايز المارات صدفة من أمام البيت…كان الغروب وقت الأمهات الذي يقضين به قسط راحة بين تعبين وبين شقائين شقاء النهار وشقاء الليل ..يتنفسّن المساء ، يتابعن موجزاً قصيراً لحركة الحي ثم يدخلن الى منازلهن من جديد…
**
أفتقد كثيراً “غروب الأمهات” ..افتقد “عجايزالبوابات” اللاتي كن يحرسن الوقت بالصمت …الآن صار العمر وحيداً وقاسياً …الأبواب مؤصدة ، مداخل البيوت فارغة ، درجات الدور باردة… نصفهن رحلن باكرات من غير رجعة ..والنصف الآخر يخجلن ان يظهرن “بحجاب خفيف” بعد ان اعتاد المساء على “الحطّة”…

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. الأبواب مؤصدة .. والقلوب مؤصدة .. في حزن عميق عميق على غيابهن ممددة … يا لغياب الشنبر والحطة والعصبة ما أوحشه … غروب الأمهات لا شروق بعده … رحم الله أمهاتنا وأسكنهن الجنة

  2. بالرغم من كثرة الماسي و قلة وسائل الترفيه و لكن دائما كان هناك فسحة امل في اعينهن، الان و بالرغم من كثرة وسائل الترفيه و لكن للاسف لا يوجد عيون تحمل الامل، تنظر اليها فتجدها كلها مليئة بالالم…..!

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى