نحن لبعضٍ أرزاق، فاللهم سخّر لنا الأنقى والأخْيَر
سناء جبر
لن أبدأ كتابتي بتسجيل كلمات تنثر طاقة سلبية هنا وهناك، ذلك أن كل فرد منا كبيرًا كان أم صغيرًا إنما هو بحاجة ماسّة لكلمات وعبارات توزع الأمل وتنشر الطاقة الإيجابية حيث توجهت والتفتّ… نمرّ بظروف أقل ما يمكن أن توصف بأنها صعبة قاسية ، محورها القلق والخوف من اللحظة الآنية ومن الحاضر القام الذي يتربص بنا الدوائر مكشّرا عن أنياب حادّة ، ونحن لا ندري مدى استعددانا لمواجهته… لسنا نتحدث عن طاقة إيمانية فحسب ، تثق بقدرة ربٍّ أحد على تغيير الحال إلى أحسنه، لكننا بحاجة لأن نختبر أنفسنا كل لحظة ونحاسبها على مدى تمكنها للمواجهة بقلب رابض وعزم لا يلين، فهل نقف على أرض صلبة لا تميد بنا عند أول هبة ريح ولا نقع عند أول انكسارة أو منعطف. هذا السؤال الذي يحتاج إلى الإجابة الصادقة لا المراوغة التي تخدع بها نفسك وغيرك… والمتضرر في النهاية فيها أنت وحدك.
نظهر القوة والجسارة ونفتعل الصمود أمام المرايا والآخرين، وفي دواخلنا نفوس هشة تبحث عن الرأفة والحنوّ والعطف والدفء. فلم لا نكون لطفاء مع محبينا ، نحتفل بهم وبوجودهم بيننا ونرتقي بالحديث معهم فلا نجرحهم ولا نكسر لهم خاطرًا، فيكونون أولوية بعيدًا عن أي أنانية أو لؤم أو ذاتية نرجسية. لم لا نتذكرهم إلا بعد فقداننا لهم بالموت، ونتمنى لو تعود عقارب الساعة أدراجها إلى الخلف فنغير من نظرتنا وطريقتنا ، ويا ليتنا نتعلم: يكون قد غادر ونلوم انفسنا على تقصيرنا معهم ونهدأ قليلًا ونقرر تغيير أسلوب التعامل مع المحيطين، وننسى أنفسنا لنكتشف في النهاية أننا عدنا كما كنّا ولم نتعلم الدرس القاسي الذي لقّننا إياه القدر بالغياب المفاجئ والمباغت، لأن العقل اللاواعي لدينا كان أقوى واقدر على تسييرنا وأن الطبع يغلب التطبع، فلندرب أنفسنا على الهدوء والتركيز… ونعد أنفسنا بتغيير المنظار الذي ننظر به إلى الاشخاص بمعزل عن المصالح الفردية، ولكن بكل إنسانية مطلقة جبلنا وفطرنا عليها لكن المحيط المجتمعي كان السكين القاطعة التي كان لها التغيير وغرس كل ما هو سلبي.
إن من المفاهيم الجميلة التي لا نجدها إلا في المجتمعات العربية مفهوم ” الخاطر”، ويا ليته يعم وينتشر على صعيد أكبر ؛ لما له من دور في أن تعيش إنسانيتك التي خلقت عليها بكامل الخلق بعيدًا عن مفهوم الكسب والخسارة وفرض الشخصية ، فنستبدلهما بالاحتواء والدفء وجبر الخواطر وتضميد النفوس المكلومة وضمّ القلوب التي خاب رجاؤها . الخاطر كما أفهمه خليط من الأمل والعشم والضعف والحب والاحتواء والرأفة، هو تكثيف الحب واختزاله لشخص قد لا تربطك به رابطة، لكنّ عينيه تتأملان منك ألا تنحاز لنفسك في لحظة خيار صعب ، الخاطر في قلب يرجف ويرجو كسبك لا خسارتك ، فالخسارة ثمنها باهظ على كل المستويات وعلى الزمن البعيد بتغيير مفاهيمه وعقليته ونظرته إلى الحياة، أما أن تكسب قلبه المرتعش وتشد عليه بيدك فمعناه أن تبعث في عينيه أملا واعدًا بان الخير موجود وتبرق عيناه بقناعاته التي ما خذلته ولن تفعل، فتبني نفسا محبة عوضًا عن أن تقطع نياط القلب حسرة وخيبة أمل .التمس الخاطر واجبر قلوب الناس، وتنازل وهدئ من روعك وصلابتك واعتمد اللين تكسب قلوبهم، وتكن مقبولا بينهم حلو المعشر، وتذكر دوما بأن من حولك فاضت عليهم لدنيا بالمكاره والصعوبات وهم في أمس الحاجة ليد حانية تربت عليهم وتحتويهم ولا يكون جبر الخاطر إلا واحدًا من هذه السبل التي تتنازل فيها عن حصتك لأجل إحياء نفس سواك، مَدْخله في ذلك قوله : (عشان خاطري).
والخاطر ثمين لا يقدّر بمقدار، وفي الوقت نفسه غير ممسوس، فحين يرغب أحدهم أن ينتزع منك الرقة تجاه شخص قد جمعك به خلاف وحديث اتهامي، يقول لك: كسرت بخاطره، فتخرج المسامحة من أعمق أعماق مكان في فؤاده. وعليه، فكسر الخاطر فعل يستدعي كثيرًا من الجبروت والقسوة والأنانية واللؤم والانتهازية إلى غير ذلك من مفردات وجدت في المعجم تشي بكل ما هو خالٍ من الشعور والإحساس، وأخيرًا نحمد الله الذي يذهب الحب إذا حلّ الأذى ويسهّل الهجر إذا ظهر الغدر، ويجعل لعباده من بعضهم عوضًا عن بعض … والبقية في جعبتكم …