صبحي أبو غنيمة رجل المبادئ والمواقف الوطنية

#صبحي_أبوغنيمة #رجل_المبادئ و #المواقف_الوطنية

#موسى_العدوان

في كتابه ” الحركة الوطنية الأردنية ( 1946 – 1953 ) يقول الدكتور عصام السعدي: ” أن حركة المعارضة الوطنية الأردنية بعد الحرب العالمية الثانية، تركزت فيما أطلق عليه ( مثقفو دمشق أو جماعة الشباب الأحرار ) الذين يدرسون في الجامعة السورية، أو من تخرجوا منها وتأثروا بأفكار الدكتور صبحي أبو غنيمة السياسية. من بين هؤلاء السادة : ضيف الله الحمود، عقاب الخصاونة، خلف حدادين، عبد الرحمن شقير وغيرهم “.

حاول هؤلاء الوطنيون تشكيل حزب سياسي في الأردن، وتعاهدوا على العمل والكفاح حتى تحرير شرقي الأردن من الاستعمار المثلث : الاحتلال، الاستبداد، والرجعية، وتحقيق التحرر والاستقلال الحقيقي، وإلغاء المعاهدة البريطانية. تقدمت تلك المجموعة بطلب ترخيص حزب باسم ( الشباب الأحرار ) من وزارة الداخلية عام 1946، غير أن الوزارة رفضت ترخيص الحزب، مما أضطرهم للعمل كتنظيم سري لقيادة المعارضة الوطنية، والمطالبة بإصلاحات عامة وإطلاق الحريات في البلاد، إلا أن الحكومة هددتهم وتوعدتهم بالسجن.

أصدر أعضاء التنظيم بيانا ونشرات تهاجم بها سياسة الحكومة، وسياسة الملك الذي جمع السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية بيده، ولجأوا إلى الكفاح المسلح حيث قاموا بنسف الجسور وضرب المنشآت وتحطيم السكك الحديدية وخطوط الهاتف وغير ذلك، الأمر الذي اضطر الحكومة لإصدار قرار بنزع الجنسية الأردنية عن صبحي أبي غنيمة ورفاقه ونفيهم إلى دمشق.

فردّ ( الشباب الأحرار ) بالمطالبة في حل الحكومة، وإحالة رجالها إلى القضاء لينالوا جزاءهم، ومصادرة أموالهم التي استنزفوها من دماء الشعب لقاء الرشى والاختلاسات، ومن ثم العمل على تشكيل حكومة يتصف رئيسها وأعضاؤها بماضيهم النظيف وجهادهم الوطني، ومقدرتهم على ممارسة العمل السياسي والإداري بجدارة فشلت الحكومة والنظام في منع حركة الشباب الأحرار من العمل والتأثير في الشارع الشعبي.

فرأى الملك عبد الله أن الوقوف في وجه هذه الحركة التي التفت حولها الجماهير الأردنية، أصبح أمرا ميؤوسا، منه فاضطر لتوجيه الحكومة إلى منح الترخيص الرسمي لحزب سياسي، تحت اسم ( الحزب العربي الأردني). وحاول الملك أن يمارس وصايته على هذا الحزب، حيث وجه دعوة حملها إلى دمشق صلاح طوقان في منتصف شهر تموز1946، لإبلاغ حركة الشباب بصدور قرار العفو عنهم، وضرورة عودتهم إلى البلاد. وعندما حضر رئيس حركة الشباب الأحرار صبحي أبو غنيمة إلى الأردن بجواز سفر سوري، حاول الملك عبد الله إغراءه بأكبر منصب في الحكومة الأردنية.

فكان جواب أبو غنيمة للملك عبد الله: ” لا تستطيع أن تغريني بالمناصب مهما رفعت، فإن ما أحصل عليه بعرق جبيني هو أكبر بكثير مما يناله رئيس وزرائك بتعفير الجبين “. وكان قبل ذلك بأربعة عشر عاما قد ساوم الملك أبي غنيمة على تعيينه رئيسا للديوان الملكي، على أن يترك مبادئه الوطنية والقومية. فكان جواب أبا غنيمة وبحضور رئيس الوزراء توفيق أبو الهدى : ” أن المنصب الذي سيبعدني عن مبدأي وحزبي أضربه بحذائي هذا “.

وخلال وجود أبو غنيمة في عمان، أقام له صديقه مصطفى وهبي التل حفلا دعا له العديد من الشخصيات، وألقى خلاله قصيدة شعرية أثني بها على مواقفه الوطنية. ولكن قبل عودته إلى سوريا طلب الملك عبد الله أبي غنيمة وأقام على شرفه وليمة كبرى، حضرها عدد من شيوخ العشائر والسياسيين، اختلى خلالها بأبي غنيمة وسأله عن رأيه في مشروع توحيد الهلال الخصيب، فوافق أبا غنيمة على ذلك باعتباره يصب في وحدة الأمة العربية. فوعده الملك بتعيينه رئيسا للوزراء.

تبين فيما بعد أن الملك أراد شيئا وأبو غنيمة أراد شيئا آخر. فقد أراد الملك إيهام الشعب الأردني، أنه تمكن من احتواء وشراء أبي غنيمة، ليفقد الشارع الشعبي الأردني الثقة به وبحزبه ، وأنه أصبح في بيت الطاعة الملكي. فرفض أبو غنيمة تلك الشروط التي أرادها الملك لمشروع الهلال الخصيب وعاد إلى سوريا، حيث استأنف هجومه مجددا على النظام الأردني.

* * *

التعليق :

في هذه الأيام التي تُجري فيها ما تُسمى ب ( الهيئة المستقلة للانتخابات ) تدقيقها لتصويب أوضاع الأحزاب، رغم مرور سنوات على تأسيسها، نستذكر الموقف الوطني لأحد رجالات الأردن الذي كان أمينا على مبادئه، وهم السيد صبحي أبو غنيمة رحمه الله. لقد تمسك الرجل بمبادئه الوطنية ولم ينقلب عليها، رغم كل الإغراءات والمواقع الهامة التي عُرضت عليه.

وأتساءل اليوم : لو عرضت مثل تلك الإغراءات على المستوزرين والباحثين عن المناصب، والمشاركة في الأحزاب المصنّعة حسب المقاس، فهل سيكون رد فعلهم بالرفض كما فعل أبو غنيمة ؟ أم سيرمون خلف ظهورهم كل المثاليات، والمبادئ التي ينادون بها، من أجل الجلوس على كرسي الوجاهة والثراء ؟

ختاما لا يسعني اليوم، إلاّ أن أترحم على فقيد الأردن صبحي أبو غنيمة ورفاقه الوطنيين، كما أتقدم بالشكر الجزيل للأستاذ المؤرخ القدير الدكتور عصام السعدي الأكرم، الذي قدم لنا هذا الكتاب الزاخر بالمعلومات التاريخية الموثّقة، وعلى ما بذله من جهد صادق، أبرز لنا حقائق غائبة عن معارفنا، من شأنها توعية هذا الجيل والأجيال اللاحقة بتاريخ وطنهم، في كتاب رصين، يستحق القراءة والثناء على كاتبه.

التاريخ : 19 / 4 / 2023

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى