وطن العرق!

مقال الاثنين 2-5-2016
النص الأصلي
وطن العرق!
تتكاثر في 1/5 من كل عام صور “الخوذة” الصفراء والمطرقة المعدنية و”الأفرهول” الأزرق، وتصمم “بوسترات” – غير مبتكرة على الإطلاق- لا تخرج عن مفردات العامل التقليدي “الطاقية” “الخوذة” “الباطون المسلّح” و”الأفرهول” العُمّالي..
بالمناسبة صورة هذا العامل تشي بأنه أوفر حظاً من غيره ،فكثير من عمّالنا اليوم لا يرتدون فوق رؤوسهم سوى “شماغهم” العادي ، آخر النهار يغسلونه في برميل الماء ، يعصرونه ، ينفضونه، يمسحون به عرقهم ،ثم يعتمرونه من جديد ليشاركوا بعد المغرب بعرس عند الأقارب أو عزاء عند الجيران..حتى ملابس “التشخيص” التي يضعونها في بيت درج تحت الإنشاء ،لا تتميّز كثيراً عن “وعية الشغل” التي يخلعونها في الموقع !..
في الأول من أيار ،تعلق لافتات “الفليكس” على القاعات ، تتدلّى الزينة ، وتُخطّ العبارات الرنانة التي تتحدث عن العمل والعمال على “ستاندات” مثبتة بزوايا المسرح..يتكرّم مسؤول رسمي متأنق برعاية الحفل ،يمتدح السواعد السمراء ويحثّها على الاستمرار في البناء وخدمة الوطن ربما: (ليبيعه مشطّب خالص) ..ويستذكر المقولات التي أطلقها من قبله، ويعرّج على القوانين التي وضعتها الحكومات لحماية العامل…يبارك للعامل عيده ويمتدح إخلاصه في حب الوطن ، يصفق له الجميع وينزل بغرور مضاعف… في هذا الوقت يكون سائقه الخاص – المحروم حتى من الماء البارد- ما زال واقفاً في الشمس بانتظار انتهاء الاحتفال ليقلّه إلى فعالية أخرى على جدول أعماله…يتناول الحضور الحلوى – على شرف المسؤول بهذه المناسبة الوطنية – ثم يغادر الجميع مكان الاحتفال ويتركون نفاياتهم اللفظية والمادية والفكرية وراءهم ليقوم عامل النظافة المحُتفي به بجميع أكواب القهوة ،وصحون الكنافة الفارغة والملاعق المكسرة والمحارم المستهلكة وجداول الحفل الملقاة تحت الكراسي…
**
العمال – هم الوحيدون- الذين ينتظرون يوم العطلة ليعملوا، فتراهم يتكاثرون في هذا اليوم على الأرصفة، يلحقون السيارات التي تتوقف قربهم ،يصعدون بخفة إلى “البكبات”، “يتعربشون” على الشاحنات المحمّلة طلباً للعيش …العمال في أول الشهر لا يريدون كلاماً ناعماً “كبودرة الأسمنت” ..فكلامكم لا يشبعهم ، كما لا يعني لهم خطاب المسؤول شيئاً – مهما كان ساخناً – مقابل سخونة الرغيف..هم لا يريدون “تفتفاتٍ” على الميكرفونات ، “التفتفات” لا تدفع رسوم أولادهم الجامعية ، لا يريدون “بوسترات”..”البوسترات” ، لا تكتم الجرح ، ولا تعوّض الطرف المبتور ، ولا تصرف دواء الزوجة المتكرر، هم لا يريدون شعارات، “فالشعارات” لا تعيد التيار الكهربائي المقطوع عنهم او تصرف للمؤجّر دفعة عن الشهور “المكسورة”…
إذا أردتم ان تكرموا العمال حقاً ..حسّنوا معيشتهم، خفضوا الضرائب التي أثقلت كواهلهم، اسحبوا أيديكم من جيوبهم ..اذا أردتم أن تكرموا العمال حقاً ..لا تفصلوهم من عملهم وتقطعوا أرزاقهم كما فعلتم مع موظفي الملكية الأردنية ، لا تحرموهم حق انشاء نقابةٍ تحميهم وتظلّهم من قيظ الظلم الذي صار بارتفاع رمح عن رؤوسهم ، لا تورثوا أولادكم المناصب، لا تتجبروا بأصحاب الحقوق ، لا تمارسوا مع بلدكم الرؤوم كل هذا العقوق…
إذا أردتم أن تكرموا العمال حقاً…لا تسرقوا وطنهم الذي أحبوه وأحبّهم…وتستبدلوه بوطنٍ من خطابات…هم لا يريدون وطناً من ورق…هم يريدون وطنهم الحقيقي ..”وطن العرق”!!.

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫6 تعليقات

  1. الذي تمجده “إسرآئيل” هو الوطن بهيئته الرسميه..!! التواطؤ.. أم شرف الرجال..!؟

  2. هذا أيظا كلام للتخدير .. الحل جاي بمليارات السعوديه .. و إذا مش مصدق إسأل امين عام النقابات العماليه و زيادة تأكيد إسأل مدير عام الملكيه اللي براقب حركة الطيران و الشحن بلكي شاف الطيارات اللي ودها تنقل المليارات .. هاظ الشيء العملي مش كلامك المخدر مع احترامي الك و عدم احترامي للحرامي

  3. وطن العرق .. وكل واحد حر ب ” عرقه ”
    ما دام المثلث الصغير في قمة الهرم في وطني يتحكمون بأقواتنا وعيشنا وتوزيع الفتات علينا والعظام المجرومة والجلود غير المدبوغة … سيبقى الوطن بمن فيه من ” شبه المنحرف ” المتبقي من الهرم يمسحون عرقهم بشماغهم
    لهم ” عرقهم ” ولنا وطن العرق

  4. بتوقع انه العمال ممكن كمان يكونوا إناث وكارثة اللامساواة في الاجور تستحق سطر او سطرين في المقالات العتيدة. المواطنة الاردنية تعمل وتشقى وتصرف على اولادها مع زوجها اذا مش وحدها وفي مقالكم هي زوجة تطلب الدواء. مثل ما نتمنى على الحكومة تطوير مفاهيمها وممارساتها لحقوق العمال، أتمنى لكتابنا ذات الشيء لانه الكلام الفارغ شبعنا منه حتى منكم.

  5. حضرة الاستاذ احمد الزعبي المحترم،

    الوضع الاقتصادي و الاجتماعي في الاردن معقد جداً و المشكلة او بالاصح المشاكل المستعصية الان لها جذور تعود لعقود خلت.

    يجب علينا اولاً ان نعترف بوجود هذه المشاكل و من ثم لنواجه الحقائق المؤلمة التي ستواجهنا لحلها.

    اولاً: نحن خلقنا الفرعون بيننا و صفقنا (سحجنا) له و لزبانيته لاكثر من ستين سنه.

    ثانياً: العامل الاردني قليل الانتاجية و كثير المشاكل. انا املك مصنع و اعي ما اقوله

    ثالثا: الشاب الاردني يعشق الوظيفه الحكومية

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى