هيكل صانع الالعاب / د . خالد غرايبة

هيكل صانع الالعاب
رُبَّما يعتبر هيكل اهم شخصيه اعلامية عربيه في القرن العشرين. فبالاضافة الى ذكائه الحاد وقدراته الكبيره ككاتب و كصحفي ومؤرخ ونجم تلفزيوني فقد كان شخصية عالمية بما تمتع به من علاقات دولية جعلته “الجورنالجي” الابرز في العالم العربي كما كان يحلو له ان يُسمى.

ولحد علمي فلم يكن هيكل أكاديميا ولم يحصل في حياته على درجةٍ علميةٍ بعد الثانوية التجارية التي حصل عليها في بداية الاربعينيات في الاسكندرية، ولكن هذا لا يعيبه، الا أن ذلك جعله يبتدع منهجه الخاص في البحث في التاريخ وفي ممارسة السياسة والصحافة (وربما التجارة)-المنهج الذي قد ينتقده أقرانه من الأكاديميين الذين يؤمنون بمنهج البحث العلمي الموضوعي.

لا أدعي انني قرأت كل كتبه ولكني قرأت احدها وقرأت مقالات كثيره له والاهم من ذلك كله، أنني شاهدت باهتمام حلقاته على قناة الجزيرة والتي تحدث فيها عن التاريخ برؤيته الخاصة.

الا أنني اعتقد إن الرجل كان محترفاً السياسة اكثر من الاعلام فهو على مدى حكم عبدالناصر كان الشخصية الاقرب له وكان كاتب افكاره وتطلعاته و”مفلسف” طريقته في الحكم ومبرر قراراته ومروج مشروعه القومي وكاتبَ خطاب استقالتهِ ومروج مصطلح “النكسة” كبديل لحقيقة هزيمته في حرب عام ٦٧.
ولقد ساعد ذلك كله هيكل في أن يكون الصحفي الاكثر اطلاعاً ومعرفة بما كان يدور في دوائر السياسة المصرية الضيقة في الستينيات مما جعله يقوم بدور “صانع الالعاب” بدون أن يكون له صفة رسمية غير صفته كرئيس تحرير الأهرام، الصحيفه الناطقة باسم الدولة.

مقالات ذات صلة

أعتقد أن نرجسية هيكل المستفحلة هي ما جعلته يستمتع بلعب دور محرك السياسة المصرية دون ان يمارسها من خلال منصب رسمي وبغطاء الصحفي المحترف للصحافة؛ المهنة التي ربما احبها ووفرت له الادوات اللازمة ليمارس دوره السياسي، ولقد كان ذلك سبب رفضه لتولي اي منصب حكومي خلال تلك الفتره.

لقد كان هيكل الصحفي يمارس الصحافة بعقل وقلب السياسي مما اوقعه في كل ما يمارس السياسيون من تغيير للحائق وربما النفاق ولا عجب ان ابرز هتاف كان يدوِّي في المسيرات الطلابية في الانتفاضة التي أعقبت نكسة عام 67 برفض صحافة هيكل الكاذبة.

وأما هيكل المؤرخ فقد ظهر بعد انتهاء دوره السياسي على يد السادات في بداية السبعينيات اذ إن الرجل تمكن من استثمار ما في جعبته من خبايا السياسة المصرية والدولية في حقبة عبدالناصر لكتابة التاريخ بطريقته الخاصه خصوصا أنه كان الوحيد من الشهود الأحياء لعصر عبدالناصر في فترة السبعينيات ممن كانوا خارج السجون او ممن كان بإمكانهم التحدث للصحافه او نشر مذكراتهم في فترة تم فيها التعتيم الكامل على كل ما يمت للناصرية بصلة.

ولذلك فأعتقد مرة أخرى إن نرجسية هيكل هي ما جعلته يكتب التاريخ بطريقة السياسي “الخارج من الخدمة” وليس بطريقة المؤرخ الموضوعي. فارتباطه بعلاقات عداء أو صداقة مع بعض صُنَّاع القرار في فترة السبعينيات والثمانينيات كانت تؤثر على تأريخه وعلى موثوقية تحليله التاريخي.
ويدلل على ذلك اراء الكثيرين ممن عرفوه وعرفوا واقع الاحداث وكذلك مؤلفاته الكثيرة واحاديثه الصحفيه التي كانت كثيرا ما توسم بالتناقض. هذا فضلا عن عدم موثوقية مصادره التي غالبا ما كانت استخبارية او من خلال صحفيين مغمورين أو اشخاصٍ متوفين، فهو كما وصفه احدهم متخصص في كتابة “مذكرات الموتى” واهم أولئك كان عبدالناصر.

هيكل بكل ايجابياته وسلبياته ومهنيته وتحيزه نموذج للنخبه العربيه التي امتلكت أدوات التأثير على الرأي العام وادوات تشكيل وعيه واستثمرتها لغير غرضها المنشود وهو نشر الوعي والامل بمشروعٍ نهضويٍ للامة.

رحمه الله فلا تجوز على الميت سوى الرحمه وغفر الله لنا ان كنا ظلمناه.
ودمتم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى