هل يشكل الإسلام خطراً على الغرب فعلاً؟

هل يشكل #الإسلام خطراً على #الغرب فعلاً؟

د. #فيصل_القاسم

يسود اعتقاد على نطاق واسع في العالمين العربي والإسلامي منذ زمن بعيد بأن المسلمين مستهدفون من القوى الكبرى، وأن الغرب يخشاهم ويخشى نفوذهم وخطرهم الكبير على العالم، ولذلك فإن الغربيين يستهدفون الإسلام ويعملون دائماً على إضعاف العالم الإسلامي وتقليم أظافره والتآمر عليه. ويذهب البعض في مبالغاته أحياناً إلى القول إن «الخطر الأخضر» الإسلامي حلًّ محل (الخطر الأحمر) الشيوعي كتهديد للغرب بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. لكن هل هذه حقيقة يا ترى، أم إنها مجرد خرافات وهلوسات (مغلومانيا) لا أساس لها مطلقاً على أرض الواقع؟
ومما يبعث على السخرية أن الحالمين بتوحيد العالم الإسلامي لمواجهة الغرب يعطونك الانطباع أن المسلمين كانوا دوماً يداً واحدة، وأن جوهر قوتهم كان يكمن في وحدتهم، وعندما تفرقوا أصبحوا فريسة لضباع العالم. لكن السؤال، متى كان المسلمون موحدين في تاريخهم، منذ (سقيفة بني ساعدة)، فكلنا يعرف حجم الصراعات التي نشبت بينهم بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، بحيث قضى ثلاثة خلفاء قتلاً، ولا ننسى الصراع الذي نشب لاحقاً بين المسلمين أنفسهم ليتحولوا إلى ملل ونحل وطوائف ومذاهب متناحرة ومتقاتلة تنكّل ببعضها البعض حتى الآن. أليس بأسهم بينهم شديداً جداً أيضاً؟

سيكون من السذاجة إذا ظن العرب أن القوى الصاعدة الجديدة ستكون أرحم معهم من الغرب، بل ستستغلهم وستوظفهم بنفس الطريقة الغربية وربما أسوأ

ولعلنا نتذكر أن الخلاف بين الإسماعيلية والاثني عشرية الشيعيتين مثلاً أكبر بكثير من الخلاف بين الشيعة والسنة عموماً، وأن الخلاف بين الشيعة والسنة (المسلمين) أكبر من الخلاف بين الإسلام والمسيحية. وحدث ولا حرج عن الخلافات والصراعات بين الجماعات السنية نفسها إذ «كل حزب بما لديهم فرحون». لا شك أن البعض سيرد على هذا الكلام بالقول أيضاً إن الخلافات بين الطوائف المسيحية لا يقل عن الخلافات بين المسلمين، وهذا صحيح، لكن الفرق أن الدين لا يلعب دوراً كبيراً في حياة الغربيين ولا يؤثر على سياساتهم كما يلعب في حياة المسلمين ويؤثر عليهم. باستثناء إيرلندا قديماً، قلما تسمع اليوم عن صراعات سياسية دينية بين المسيحيين في العالم، بينما يلعب الصراع المذهبي والطائفي دوراً خطيراً في العالم الإسلامي بعد أن فرّق المسلمون دينهم شيّعاً. ولمن يقول إن الغرب يغذي الصراعات المذهبية والطائفية في العالمين العربي والإسلامي كي يبقى العرب والمسلمون متخلفين وضعفاء، فهذا صحيح، لكنه لا ينفى أبداً أن الفُرقة والصراع كانا موجوديّن بين المسلمين منذ السنوات الأولى للإسلام وحتى هذه اللحظة. أليس من المبالغة القول إذاً إن الغرب يخشى المسلمين؟
يقول البروفسور الإيرلندي الراحل فريد هاليدي الذي كان خبيراً مخضرماً بشؤون العالمين العربي والإسلامي إنه «من السذاجة الادعاء أن الغرب يخاف من المسلمين. ماذا لدى المسلمين في العالم كي يُخيفوا به الغرب؟ نعم كان الغرب يخشى الاتحاد السوفياتي لأنه كان يشكل له تحدياً سياسياً وثقافياً وعسكرياً كبيراً، وكانت لديه ترسانة نووية تستطيع تدمير العالم ثلاثاً وثلاثين مرة، بينما يستورد العرب والمسلمون أبسط حاجياتهم وأسلحتهم من الغرب وغيره، وهم مازالوا مُستعمرين بطريقة غير مباشرة، وبالتالي، فهم لا يمتلكون أي سلاح خطير يهددون به الغرب كي يخاف منهم ويعمل على إضعافهم. بعبارة أخرى، فهم ضعفاء أصلاً». ألا يشكل المسلمون اليوم الجزء الأكبر من فقراء وجياع العالم ومعظم الدول الإسلامية تحتل واجهات الفقر والجوع والفساد والانحطاط وانهيار البلدان؟ ماذا يصدّر غالبية العرب والمسلمين غير اللاجئين والهاربين من جور طغاة العرب والمسلمين؟ ماذا تستطيع الفريسة أن تفعل وهي بين أنياب النمر؟
صحيح أن عدد المسلمين في العالم يزداد بشكل كبير، وبات يفوق عدد المسيحيين الذين كانوا يشكلون غالبية سكان العالم، لكن يبقى السؤال: ما مدى نفوذ وأهمية هذا العدد المتزايد من المسلمين؟ أليس كـ»غثاء السيل»، كما توقع لهم الرسول (ص) قبل قرون؟ هل تخشى أمريكا ومعها الغرب عموماً من هذا التكاثر؟ هل تعمل فعلاً على محاربة الدين الإسلامي لأنه يشكل خطراً عليها كما يزعم الكثير من الإسلاميين، أم إنها تستغل المسلمين وخلافاتهم وصراعاتهم وبؤسهم وتخلفهم بشتى الطرق من أجل مشاريعها منذ زمن بعيد؟ ألا يعترف المسؤولون الأمريكيون ومعهم بعض المسؤولين العرب والمسلمين أن أمريكا صنعت جماعات وطوائف واتجاهات ومجتمعات إسلامية متشددة ومتطرفة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لاستخدامها في صراعها ضد الاتحاد السوفياتي والأنظمة الشيوعية بشكل عام، وعندما أدت وظيفتها إما لاحقتها بتهمة الإرهاب كما فعلت مع ما يسمى بالمجاهدين والقاعدة والدواعش، أو أمرت بتغيير المناهج التعليمية وإطلاق وسائل إعلامية (تحررية) خاصة لصناعة مجتمعات إسلامية جديدة (لايت) تناسب المصالح والمخططات الأمريكية الجديدة؟ بعبارة أخرى، أليست أمريكا قادرة على صناعة الإسلام الذي تريد والتلاعب بالعقائد والمقدسات والتراث والكتب وتطويعها وبرمجتها في كل فترة بما يتناسب مع مشاريعها؟ اليوم تريد مجتمعات متطرفة، فتظهر مجتمعات متطرفة، وغداً تريد مجتمعات منفتحة ومتحررة، فتقضي على المنغلقة وتدعم ظهور مجتمعات منفتحة، وهلم جرّا. ألا يتلاعب الغرب عموماً بالعالم الإسلامي ويستغله لمصالحه الخاصة منذ عقود وعقود، وبالتالي من السخف الادعاء بأنه يخشى من الإسلام والمسلمين؟ وعندما مثلاً سئُل بريجنسكي أحد أشهر مستشاري الأمن القومي في تاريخ أمريكا: «ألم تقترفوا خطأً كبيراً في التحالف مع تنظيم القاعدة وأمثاله لمواجهة السوفيات في أفغانستان وغيرها، ثم حولتموهم إلى أعداء لكم»، فرد ساخراً: «نعم لقد انقلب المتشددون علينا، وهذا ليس مهماً ولا يشكل لنا أي مشكلة، إذ يكفي أننا حققنا من خلال المتشددين هدفاً عظيماً بالانتصار على ألد أعدائنا التاريخيين، ألا وهو الاتحاد السوفياتي. قارن إذاً خسارتنا البسيطة مع الإسلاميين بمكاسبنا العظيمة ضد السوفيات». وهل هناك أيضاً خادم للاستراتيجيات والسياسية الغربية أكثر مما تُسمى أنظمة عربية وإسلامية؟
ثم لماذا يتناسى البعض أيضاً أن الغرب اليوم لا يهتم مطلقاً بالخطر الإسلامي، بعد ظهور الخطر الصيني أو الروسي؟ وهذا يعني ضمناً أن المسلمين لم يعودوا يواجهون القوى الغربية وحدها التي كانوا يدّعون أنها تعاديهم، بل صاروا يواجهون اليوم قوى كثيرة تتصارع على قيادة العالم، بينما هم يزدادون ضعفاً وتشرذماً وفُرقة وصراعاً؟ ولا شك سيكون من السذاجة إذا ظنوا أن القوى الصاعدة الجديدة ستكون أرحم معهم من الغرب، بل ستستغلهم وستوظفهم بنفس الطريقة الغربية وربما أسوأ. ولا تنسوا أن روسيا قبل سنوات وعن طريق وكيلها الرئيس الشيشاني نظمت مؤتمراً إسلامياً من جماعات محددة واستثنت جماعات أخرى، وذلك لصناعة إسلام يناسبها، تماماً كما فعلت أمريكا من قبلها.
هل يا ترى بعد كل هذا التلاعب الدولي بالمسلمين واستغلالهم أبشع استغلال في العالم، يمكن القول إن العالم يخشى الإسلام والمسلمين؟ ألا يقول المثل الياباني: لا أحد يركل قطاً ميتاً؟

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى