هل تعود صديقتي الغجرية؟ / سعيد ذياب سليم

هل تعود صديقتي الغجرية؟
سعيد ذياب سليم

كنجمة المساء الحزينة أجلس يحيط بي رماد السنين أتجرّع الغروب ، أول السهارى و آخر من يغادره الليل، يمتد أمامي الأفق الغربي أرقب نُدَف السحب التي يحملها هواء أيلول ليطفئ بها حرارة نهاره الصيفي ويبشّر بموسم المطر، رقّ الهواء وسبحت الأرواح كسرب حمام في الضوء الأخير للنهار، ليس حزنا لكنها الوحدة تغزونا بعض الوقت أو جمّ الوقت و ربما كل الوقت ، لنا معها حكايات وعلاقة حميمة لم يحدث أن أخلفت لنا ميعاد .

تتساقط الكلمات كقطرات المطر على نافذة عاشق .. كأوراق أيلول ترسم ابتسامة لعوب أو نظرة شقية ما زالت محفورة في الذاكرة كعرْق ذهبي يمتد عميقا في مغارة الجبل غلب الرجال فذهبوا عنه و بقيت تحرسه اللعنة.

رحل الغجر نحو الغيم ، أزالوا خيامهم و جمعوا أشياءهم و أخذوا معهم الفرح و السمر و الموسيقى و بقي الليل و أنا، تجلس في مخيلتي فتاة غجرية مُنهكة بعد أن راقصت نغمات جيتار حتى تساقط عنها الحزن كأشجار أيلول، يلمع في مآقيها قطرٌ من حزن متعب ، فهل من لقاء بعد الفراق ؟ ربما في موسم القطاف القادم أو الذي يليه .. أو الذي يليه .

مقالات ذات صلة

وهكذا يمضي العمر في انتظار فرح ليس لك ولست وحدك فالكل في انتظار قافلة الغجر و ما تحمل من ترياق و تعاويذ و ألعاب خفة سحرية ، فهل تصافح القدر و تعايش الواقع وتكف عن تلاوة الرقية ؟

أين تبعث رسائلك تسألها الغفران؟ ولا عنوان لديك وقد مضى زمن الطقوس التي كنا نرسم فيها أشواقنا على أوراق ملونة تزينها ورود صغيرة و قطرات عطر وخط يخفق بالحب والجمال ترسمه الريشة مثل إزميل “بجماليون”، اليوم نتلصص عبر مواقع التواصل الاجتماعية نبحث عن الأصدقاء القُدامى ندخل إلى صفحاتهم الالكترونية نسترق النظر و ننسحب خفية، هل ننجو أم تعرينا تلك البرامج والتطبيقات التي تطرح خدماتها بالمجان لتظهر زوار الصفحة ؟
هذه الفوضى التي تميز فترة ما بعد الحقيقة ، خديعة و نفاق و دجل، نلبس فيها كل يوم مظهرا جديدا نختبئ خلف أقنعة ملونه تخفي معالم وجوهنا و نحمل أسماء غير أسمائنا و تتركنا في صراع بين من نحن عليه في الواقع و بين ما نحب أو نتمنى و بين ما نحب أن يرانا عليه الآخرون، نتجول عبر الصفحات الإلكترونية كالأطياف، هل هذا يجعل منا لصوص الواقع الافتراضي؟

كان العالم بسيطا جدا قبل عصر التكنولوجيا و قبل أن يرحل الغجر، كان العالم هو القرية و القرى المجاورة ، لم نكن نعبر البحار كانت البحار و الصحاري تأتي إلينا تحملها القوافل ، كان الفرح يزورنا كل مساء تحت السدرة في الصيف و في المضافة حين ينزل المطر، كانت أكبر الخطايا الرقص مع الغجر، لم نكن نعرف خط الفقر و ما يليه كانت أيدينا في موسم الزيتون تطال النجوم نجمعها كل ليلة نعدها نرتبها ثم نعيدها إلى السماء، فهل يعود الزمن إلى الوراء؟ و تعود صديقتي الغجرية ترقص من جديد ؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى