ناشرون / د . خالد غرايبة

في جلسة على المقهى مع بعض الاصدقاء، جاء صديقنا الامريكي وفي يده كتاب. قلت له: ماذا تقرأ؟ فقال: هذا كتاب يحكي قصة رجل المخابرات الاسرائيلي ايلي كوهين الذي كان جاسوسا اسرائيليا في سوريا في الستينيات. ولأني أعرف قصته جيدا، طلبت من صديقي ان اخذ الكتاب لاتصفحه. كان اول ما وقعت عليه عيني هو الرسالة التي ارسلها كوهين لزوجته قبل تنفيذ حكم الاعدام به والتي كانت مكتوبه باللغة العربية والتي كانت موضوعة في رأس الصفحة وبجانبها الترجمة الانجليزية.
كانت الرسالة الاصلية تقول ما يلي:
“الى زوجتي ناديا،
اضطررت للقيام بهذا العمل الجاسوسي تحت الضغط الشديد من اسرائيل وذلك بعد ان قطع عني اي مورد للعيش واني الان، بعد ان عرفت الحقيقة جلية ونهاية كل باغ ومعتد، اقول لكم اتركو اسرائيل وعبشو خارجها وتمتعو بالحرية كما تحيا الشعوب لا كما تحيا اسرائيل. احذروا من تكرار ماقمت به فالعاقبة وخيمة.
والسلام
ايلي كوهين ١٩٦٥/٥/١٨.”
اما الترجمة الانجليزية فكانت كالتالي:
“لقد قمت بهذه المهمة خدمة لدولة اسرائيل ومستقبلها. ارجوك ان تغفري لي وان تهتمي بنفسك وبالاولاد. سيأتي يوم يكون اولادي فيه فخورون بي. ارجو ان لاتكثري البكاء علي وبأمكانك ان تتزوجي بعدي.
قبلاتي لك وللأولاد
ايلي كوهين”
لم أعرف ما أقول لحظة قراءتي للترجمة فقد كدت انفجر. فقلت لصديقي الامريكي اتمنى ان تستمتع بقراءة الكتاب، يبدو ان فيه الكثير من الحقائق.
تيقنت لحظتها ان الرأي العام الامريكي تجاهنا يتم تشكيله بطريقة ذكية من قبل الناشرين (والذين كثير منهم صهاينه) وان تغييره يحتاج قرونا.
في بلادنا حالة مماثله. ففي الكثير مما نقرأ، الكثير من التزوير والكثير من المغالطات التاريخية، وخصوصا ما نقرأه في المواقع الالكترونية ومواقع التواصل. الا ان ذلك التزوير وتلك المغالطات اصبحت تقود سلوك الافراد الى التطرف والقتل وهدم السلوك المدني والحضاري للافراد.
لو نظر القارئ العربي الى ما يقرأ بعين الناقد لرأينا رأيا عاما مختلفا. لكن ذلك ليس مهمة القارئ العادي ولا مهمة الكاتب بل هي مهمة الناشر في المقام الاول. فالناشر المخلص لوطنه لا يطعم ابناءه اكلا مسموما او عفنا، بل يختار لهم ما هو نظيف وسائغ وما يوجههم لخير مجتمعاتهم.
فليفكر الجميع فيما ينشرون فبعض غسيلهم لا زال قذرا.
ودمتم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى