مُتلازمة أمريكا الشنوبية!!! / د . ناصر نايف البزور

مُتلازمة أمريكا الشنوبية!!!

قد لا يُميّز البعضُ من الذين لا تَعنيهم الجغرافيا، و لا السياسة، و لا اللغات و لا حتّى كرة القدم بين أمريكا الشمالية و أمريكا الجنوبية؛ فلمثل هؤلاء الكُسالى وَجَد ابني اللغوي هُمام ابن الربيع الخامس (و الذي يُدلّعه الجميع ب “هَمهَم”) حَلاًّ عَملياً و مَخرجاً دبلوماسياً؛ فهو حفظه الله يَنطق حرف “الجيم” “شيناً”… فتكون كلمة “جنوبية” عنده “شنوبية” 🙂 و من هنا يُمكن لبعض “التَيّوسين” المراوغة إذا سألهم أحدُ الفضوليين عن دولةٍ غير مشهورة مثل “باربادوس” في أيٍّ من الأمريكيّتين تقع؛ فيكون الجواب الحاذق على الطريقة الهُمامية الأردنية: “في أمريكا الشنوبية” 🙂
و هذا النحت الصرفي يكاد يصبح متلازمةً مرضيّةً في بلادنا بين الصغار و الكبار… فعلى سبيل المثال، كلّما طرحتُ في امتحاناتي الجامعية سؤالاً موضوعياً أطلبُ فيه من طلبتي وضع (T) أو (F) أي (True/False)/(صح أو خطأ) أمام بعض العبارات، كانت الإجابة عند الكثير حرفاً منحوتاً من شكل الحرفين (€)؛ فهو ليس (T) و لا (F)…و هذه تقنية أردنية بامتياز في شتّى المجالات… 🙂
فقبل عقدين من الزمن حدّثني أحد الأصدقاء من غير روّاد المساجد و كان إسلامه وقتها “سكّر خفيف” فقال: كنت أتبضّع في السوق و احتَجتُ أن أذهب إلى بيت الخلاء فلم يكن أمامي سوى الذهاب إلى المسجد القريب (عندما كانت الفسحة هناك بالمجّان… قبل فرض ضريبة ال***)… ذهبتُ هناك و قضيت حاجتي (mission accomplished) … 🙂 و عند خروجي مِن باب الحَمّام فإذا بِرَجُلٍ وقور يُبادرني بقوله بشكل شبه مُقطّع: “شوووفيييتُم”!!! و كانت تلك أوّل مرّة أسمع مثل تلك العبارة الغريبة… و قلتُ في نفسي: شو قصده هاظ… ايش يعني شو+ في+ تُوم …. مَن قال له أنّ اسمي هو “توم”:) فسَيطَر عَليَّ الارتباك بل و الفزع لبعض الوقت و أنا أُفكِّر بالرد المناسب… فلم تُسعفني معرفتي و لا مخزوني المعرفي بأن أقول: “عوفيتم”؛ فقلتُ مُتمتماً ببعض الطلاسم التي تشبه لغة الماندرين الصينية: مهينيمأمتوهمهم…. و مضيت و أنا أكتم ضحكتي و أنا أتساءل بيني و بين نفسي إذا كانت الحيلة قد مرّت على ذلك الرجل المسكين أم لا… 🙁
و مِن باب “شوووفييينا”، فحكوماتنا أحياناً تمارس متلازمة “أمريكا الشنوبية” التي استخدمها صاحبنا مع صاحب “شوفيتُم” بالمراوغة و المواربة و التلبيس في بعض مواقفها و قراراتها و تصريحاتها…. أو لنُسمِّها مِن باب الأدب: الحنكة و الحكمة الدبلوماسية… 🙂
فعند السؤال عن مصير التحقيق في قضية الشهيد رائد زعيتر، يكاد يكون الجواب: مهينيمأمتوهمهم …راح 🙂
و عند السؤال عن المعادلة الدقيقة لعملية تسعير المشتقّات النفطية، يكاد يكون الجواب أيضاً: مهينيمأمتوهمهم مهينا…سيبونا 🙂
و عند السؤال عن المتورطين في بعض قضايا الفساد التي أصدرت المحاكم فيها أحكاماً قضائية، يكاد يكون الجواب أكثر تأكيداً و حَزماً: مهينيمأمتوهمهم…مهين يمأمتوهمهم…طقّواوموتوا 🙂
و عند السؤال عن أسباب تضخّم المديونية إلى نحو الثلاثين مليارا، يأتي الجواب أكثر وضوحاً و بساطةً: مهينيمأمتوهمهم… مهين يمأمتوهمهم… مهينيمأمتوهمهم.. . افهمتوه.ولاّ.عنكو.مافهمتوه 🙂
و كم أخشى إذا استمرّت الحكومات باتّباع استراتيجيات هذه المتلازمة الرائعة أن يكون ردُّ الشعب بما يُشبه لغة الماندرين تلك؛ فالكثير من الأردنيين يُتقن أيضاً لهجات ال “ناهواتل” التي كان يتكلّمها شعب الأزتك في “أمريكا الشنوبية” و التي قد لا تعرفها الحكومة “الشليلة”؛ عندها قد يقول الأردنيون فُراداً أو زرافات: انكوانغا تمتم…افستروهانغا همهم….بوتو أح بوتو أح…تفوو بريش تفوو غورو 🙂
بالطبع فأنا لن أقوم بترجمة هذه العبارة البليغة و المُحكمة في تراكيبها و ألفاظها بالرغم من أنَّ تخصّصي ينصَبُّ على دراسات لغات أمريكا “الشنوبية” و الترجمة… بل سأدَعُ للقُرّاء الكرام ممارسة مهارة “الترشمة” الوظيفية السياقية؛ و أنا متأكّد أنّ الدقِّة في الكثير من الترشمات لديهم قد تصل إلى 99%…. عندها قد تصيح الحكومة بنفس لغة فلذة كبدي هُمام فتقول: شيبولنا مُترشِم شَيِّد يا شَماعة 🙂
و بما أنَّ اليوم هو يوم الجمعة، فدعوني أقول لكم: شُمْعة مباركة و شميلة عليكم شميعاً، أعزّائي و أحِبَّتي… 🙂 و الله أعلم و أحكم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى