موقف عمومي

#موقف_عمومي

د. #هاشم_غرايبه

جادلتني إحداهن، وهي ممن يكثرون من استعمال الألفاظ الانجليزية في حديثهم، قائلة إن ذلك بسبب أنها تجدها أسهل وأكثر تعبيرا عن المعنى المراد.
الحقيقة أن ذلك غير صحيح، بل إن ميل المرء الى أمر سببه هو الاعتياد عليه لكثرة استعماله، فاللغة الانجليزية باتت هي الأغلب استعمالا في المخاطبات والتقارير والعروض الرقمية (Data show) في أغلب أقطارنا العربية، وبديلها في أقطار المغرب العربي الفرنسية وليس العربية، بل إن بعضها (كالإمارات العربية مثلا)، لا تكاد العربية تستعمل الا على نطاق ضيق في البيوت.
لقد ثبت تاريخيا أن هنالك ارتباط قوي بين تحدث شعب بلغته الأم وبين اعتزازه بذاته واستقلاله، لذلك لن تجد في شوارع ألمانيا مثلا، من يقبل أن يحادثك بغير اللغة الألمانية، وهذا الاعتزاز باللغة موجود بين كل شعوب العالم، ولولا مخافة انفضاض السياح عنهم لفرضوا عليهم شرط التحدث بلغتهم.
لذلك كانت الدول الأوروبية المستعمرة، وبعد احتلالها أي قطر، تحاول هزيمته ثقافيا، لسلخه عن ماضيه، واستسلامه، فتستهدف لغته أولا، وتحاول أن تجعل لغتها هي السائدة.
ولما كانت بريطانيا هي أشرس الدول الآستعمارية، ونالت نصيب الأسد في احتلالاتها، فقد فرضت ثقاقتها في امريكا الشمالية وآسيا وأفريقيا واستراليا، هذا هو سبب انتشار الإنجليزية في العالم، وليس لإعجاب الناس بها، فالقوة والهيمنة هي التي فرضتها، وجعلتها اللغة المستخدمة في العلم والطب والطيران والفضاء.
لو كان اختيار اللغة بناء على جمالها وسعة بيانها، لحظيت العربية بالصدارة بين كل اللغات، هذا ليس من باب التحيز، بل يثبته الدليل المقارن بينها وبين الإنجليزية، وهذه بعض الأدلة:
1 – اللغة العربية مشتقة، ألفاظها تشتق من جذر هو فعل ثلاثي، بينما الانجليزية ألفاظها مبنية تنحت كل لفظة لوحدها، مثال: (معركة) مشتقة من عرك بينما (battle) منحوتة لا جذر لها، وكذلك (ملعقة) هي اسم آلة من لعق، بينما (spoon) منحوتة لا جذر لها، و (مِشية) هي اسم هيئة من مشى بينما تجد ما يقابلها في الإنجليزية (walk) هي لفظة تستعمل ذاتها للدلالة على (مشى) كفعل ماض، وعلى (المشي) وعلى (مِشية)، ولا تقدم أي دلالة على المعنى، بل على السامع استناطه من موقع اللفظة.
ميزة الجذر الذي تشتق منه ألفاظ عديدة من أهم ميزات اللغة القوية، فهي تفسر معنى اللفظة بالرجوع الى الجذر وقواعد الاشتقاق، سواء للأفعال وبيان الزمن، أو الصفات لبيان المعنى المراد، أو الأسماء لفهم موقعه كالتفريق بين اسم الفاعل واسم المفعول، أو دلالات المصادر كالمصدر الميمي واسم الآلة واسم الهيئة واسم المرة وغيرها.
2 – العربية هي اللغة الوحيدة المعربة، أي أن الحركة الظاهرة على آخر الكلمة تبين موقعها من الإعراب، أي معناها، ففي قوله تعالى: “إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ” [فاطر:28]، لولا وجود الحركات لما عرف الفاعل ولانقلب المعنى.
3 – في الانجليزية لا يوجد مثنى، بل مفرد وجمع فقط، لذلك فالعربية أوضح بيانا وأجلى معنى، كما أن المعاني فيها تصبح أوضح لوجود ألفاظ خاصة بالمذكر والمؤنث، وخاصة في ضمائر المخاطب، ففي الانجليزية عندما يقال (you) فيمكن أن يعتقد أي شخص في الموجودين أنه المقصود، لأنها تستعمل مع المفرد والمثنى والجمع، المذكر منهم والمؤنث، بينما هي في العربية خمس حالات: أنتَ وأنتما (مذكر ومؤنث) وأنتم، وأنتِ وأنتن، لذلك يعرف المخاطبون من هو الشخص المعني.
4 – وبناء على ذلك فالضمائر متعددة، لكنها لا تربك المتكلم ولا السامع لأنها منبة على مبدأ الاشتقاق، ولهذا التعدد المنسق ميزة وضوح المعنى للسامع، مثال على ذلك: عندما تسمع (هؤلاء) و (أولئك) تفهم من هم القريبون ومن هم البعيدون، ورغم انه في الإنجليزية مثلها (these , they)، إلا أن العربية تتفوق بوجود ألفاظ أخرى معبرة بدقة ووضوع مثل (هاتين وهذين وتانك وتلكما وتلكم..الخ).
5 – في العربية لا توجد حروف لا تلفظ، وكل حرف ينطق بمسماه، من غير حاجة لعرف علة بعده كالانجليزية، ولا يلفظ بغيرة ولا يستبدل مثل لفظ c مرة سي ومرة كي، أو لفظ a كحرف o من غير وجود قواعد تحدد ذلك.
هذه بعض من الأدلة على تفوق العربية، فهل يبقى من حجة للجاحدين بها!؟.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى