موسم الهجرة الى تل ابيب / زايد كركي

موسم الهجرة الى تل ابيب وما الذي يمنع الاردن من اللحاق بسرب المهاجرين

ربما قبل سنوات مضت كانت فكرة التطبيع ولو شكلياً بين دول الخليج والكيان المحتل تعد ضرباً من الخيال حيث كان المجتمع الدولي ككل والعربي خصوصا يتطلع لهذه العلاقة على انها اخر المراحل التي قد تمر بها اسرائيل مع دول الجوار ,حتى ان اتفاقية سلام كالتي جمعت الاردن واسرائيل عام 1994 كانت تعد لدى الكثير من الدول العربية خيانة للقضية الفلسطينية على الرغم من هشاشة هذه الاتفاقية واختراقها المتكرر من الطرف الاسرائيلي مرةً بمحاولة اغتيال القيادي خالد مشعل في العاصمة الاردنية عمان وردت فعل الملك حسين الصارمة جداً ,ومرة حين فتح المجند الاردني احمد الدقامسة سلاحه نحو المستوطنات اليهوديات في الباقورة مروراً باستفزاز الاردن عبر قتل مواطن اردني على الحدود وقتل مواطنين آخرين اثناء تواجدهما في السفارة الاسرائيلية والاحتفال بحماية قاتلهما بطريقة هستيرية من رئيس وزارء الاحتلال بنيامين نتنياهو ناهيك عن الاستفزازات المتكررة للوصاية الاردنية على المقدسات الاسلامية في القدس .

عموما الفترة الاخيرة اظهرت جاهزية وحماسة كبيرة لدى الدول العربية وخصوصاً الخليجية منها في فتح صفحة وفاق مع الكيان المحتل باستثناء دولة الكويت التي ما زالت تحافظ على ارثها القومي والتزاماتها نحو القضية الفلسطينية خصوصا والقضايا العربية فما انفكت تمد يد العون للاردن وغيره من الدول العربية كلما اقتضت الحاجة ودون ثني ذراعها مع كل حزمة مساعدات , لكن الملفت للنظر من العلاقة العربية الاسرائيلية هو انها ليست وليدة اللحظة ,بل ان عمق هذه العلاقة لحظة ظهورها يدل على انها مبنية على اساس عميق ومراحل متقدمة, لم نرى منها الا مرحلة الاشهار وكأن الخطبة العربية الاسرائيلية ضلت حبيسة اجتماعات شرم الشيخ وابو ظبي وتل أبيب في انتظار الوقت الملائم لاظهارها.

الرابط ايضا في توقيت اشهار هذا العرس العربي الاسرائيلي هو تزامنه مع تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة وهو الرجل الصريح حد الوقاحة في علاقته مع الاخرين حيث انه ومن يومه الاول لم يجامل الدول العربية ويدعي صداقتها والخوف على مصالحها وأمنها وأستقرارها فغرد بصريح العبارة انه قادم للمنطقة لأخذ ثمن لحماية كل دولة تطلب مساعدة,وانه هنا لدعم اسرائيل وكسر الحرج الذي لازم رؤساء الولايات المتحدة الامريكية قبله في اعلان الوفاء الامريكي المطلق لتل ابيب , وهنا لا بد بان الرجل تفاجأ بمدى المرونة التي قدمها العرب في سبيل هجرتهم نحو تل ابيب وكيف انهم كانوا بانتظار من يوجههم ويكسر حاجز الخوف من شعوبهم وردة فعلها.

الاستثناء الوحيد ربما من هذه الهجره الغير شرعية هو الاردن ويعود ذلك لعدة اسباب اولها تاريخ العائلة الهاشمية ومكانة القدس الشريف بالنسبة لهم وشعور لدى الملك عبد الله بالمسؤولية الادبية كوريث شرعي للسلالة الهاشمية وهو الذي ذكر ذلك علانية وفي اكثر من موقف استفز احدها الملك السعودي حين عبر علانية عن استيائه من استخدام الملك عبد الله صيغة ” الهاشمي” في القمة الاسلامية الامريكية في الرياض وهي تحديداً القمة التي أسست لمرحلة اولى من صفقة القرن .

سبب آخر يمنع الاردن من الانخراط في قوافل الهجرة نحو تل ابيب هو التركيب الاجتماعي العشائري , فالاردن بلد قائم على العشائرية والتي لا زالت تشكل صمام امان وجدار منيع يصعب اختراقه وهذه العشائر ما زالت تحافظ على كرهها ورفضها حتى لتسمية اسرائيل بالدولة, وما زالت تضخ في ابنائها الكره المطلق لهذا الكيان المحتل ,ومن الشواهد ما قامت به احد عشائر الشمال الاردني حين تم تعيين سفير اردني من ابنائها في تل ابيب فقامت بالاستنكار وذهبت لابعد من ذلك بالمطالبة بشطب اسمه من العشيرة.

السبب الاخر والاهم في معادلة الاردن الصعبة هو تركيبة الجيش العربي الاردني وهو الذي يضم جنرالات بعقيدة عربية واسلامية منتمية للقدس وهذه الفئه تشكل الورقة التي لا يمكن التخلي عنها حيث ان الكثير منهم ما زال يعتبر الخطر الصهيوني هو الخطر الابرز والعداء لاسرائيل هو الهاجس الاكبر رغم المحاولات الاقليمية لاقناعهم بان هناك عدو اكبر واخطر وهو الارهاب المصطنع من دول تحاول ان تشوه البوصلة لدى المحور الاردني والعربي الممانع للكيان المحتل وتطلعاته في المنطقة .

بالعودة للعلاقة العربية الاسرائيلية ,المرحلة المقبلة ستشهد المزيد والمزيد من التسابق والتزاحم في طلب ود الكيان المحتل ومن المتوقع ان يكون لدول عربية خليجية دور كبير في تحفيز حلفائها نحو هذه العلاقة مستخدمة قوة المال والسلطة مع دول كالاردن والجزائر وبعض التهديد والوعيد للاضعف منها كالسلطة الفلسطينية المغلوب على أمرها في معادلة القدس , لكن هل ستصمد الاردن بتركيبها الاجتماعي الفريد وبالتزامها التاريخي في وجه هذا التيار الذي بدا يكبر وهل سيكون للدول الاسلامية الغير عربية كتركيا ودول شرق اسيا دور محوري في ايقاف هذا المخطط ام ان القدس ستجد نفسها كما اعتادت ضحية مؤامرة عربية جديدة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى