كركرة..

منع الثلاثاء 31-5-2016
كركرة..
صحيح ان القرية صغيرة لكن فيها من التناقضات ما يجعلها عالم بأكمله..
تقول الحكاية أن ثمة قرية متواضعة تقع بين هضبتين ،بيوتها طينية متقاربة تشبه لون الأرض تماماً مثل ثآليل اليد..كان فيها بيت صغير ومتهالك ومنزوٍ في آخر القرية تظلله سروة كبيرة هذا البيت “الخرابة” يعود للشيخ الجليل والعجوز التقي والوجيه الحكيم الشيخ “صالح” ،بينما يتصدّر مدخل القرية سرايا واسعة وبوابات كبيرة وسياج عال محاط بأسوار من الفاكهة المختلفة..هذه السرايا تعود لشخص لا يستمرىء الا الحرام يدعى “كركرة”: قاطع طريق ،آكل للحقوق،سرسري، بلطجي ، ظالم ، منافق، متزلّف،رخيص، يتظاهر بالحكمة وهو أرعن،لا توجد صفة سيئة الا وسكنت تحت جلده…
ذات مساء عاد الراعي البسيط “سويلم” من أعالي الهضاب القريبة بعنزاته القليلة الى القرية بعد ان هرب طوال النهار في البراري من تناقضات بلدته المجنونة، وصل حواف القرية وهو يرتدي “معطفاً جيشياً” بأزرار نحاسية عريضة وبسطاراً تقطّع رباطه، يضع شماغاً مهترئاً فوق رأسه وعقالا قديماً…ظلل بيده عينيه ليكسر شمس الغروب ويرى القرية على حقيقتها…فشاهد جموع مشيعين في مقبرة القرية اقترب وعنزاته القليلات أكثر فأكثر، فنفشت غنمه بين القبور بينما اقترب الراعي “سويلم” من المشاركين في الدفن..سأل بلهجته البدوية: من المتوفى؟؟..قالوا له: الشيخ “صالح”..قال سويلم: لا اله الا الله..ما يدوم الا وجهه…وبينما كان امام الجامع الكبير في القرية يقوم بعملية تلقين الميت ويردد العبارات التالية بسرعة وحدّة: (ويا عبد الله ابن أمة الله، اذكر العهد الذي خرجت عليه من الدنيا، شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمدًا عبده ورسوله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن البعث حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور..) وقبل ان يكمل وكز الراعي الإمام بعصاه ليفسح له فجلس فوق رأس الشيخ صالح المتوفى وقال ببساطته البدوية : (كريمٍ ضايفٍ له كريم..وما هقيت الكريم يحاسبن كريم)..ثم قام ،وبدأ تحويش عنزاته من بين القبور البعيدة ليتفرق الجموع بعد كلامه…
بعد أسبوعين عاد نفس الراعي البسيط من أعالي الهضاب الى القرية ، وضع يده على عينيه ليرى حال القرية قبل ان يغمض النهار جفنه..فشاهد جموع كبيرة جدا من المشيعين في مقبرة القرية..اقترب بعنزاته الى المقبرة ثم تركها تسرح بين الشواهد من جديد..ثم عاد وسأل : من المتوفى؟….قالوا له: كركرة..وبينما تولى امام الجامع تلقين كركرة نفس عبارات التلقين المعروفة : (ويا عبد الله ابن أمة الله، اذكر العهد الذي خرجت عليه من الدنيا، شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمدًا عبده ورسوله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن البعث حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور)…عاد “سويلم” ووكزه بعصاه هذه المرة “ناهراً”..زيح غاد!…ثم جلس فوق شاهد القبر وبدأ يدق العصا برأس الشاهد ويقول : ( كركرة..يا كركرة…الموت ما هو مسخرة…ان كانك عامل زين قدامك تلقى زين..وان كان عامل شين..قدامك اكل الــ…..را).
***
لكل مسؤول قد تكركر على الكرسي وغدا سوف يلاقي من وسع كرسيه السموات والأرض..أقول ما قاله الراعي لكركرة…ان كانك عامل زين قدامك تلقى زين..وان كانك عامل شين…قدّامك اكل الــ…).

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. مختصر مفيد … لكن بدّك مين يعتبر … كركرة.. وللا جرجرة … وللا بربرة.. اصحاب النزاهة وأصحاب السرسرة ,,, اخرتهم واخرتنا الى القبر ….في حفرة الوحدة والدود والحساب …. كركرة يا كركرة … حاسب نفسك ولا داعي للفنطزة والفشخرة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى